" السلام الكلي لا يسود إلا في داخل المقابر ([1]). بول ليفي Paul Levey
1- مقدمة:
يتأصل الصراع بأشكاله المختلفة حضورا وتجذرا في مختلف مظاهر الوجود المادي والاجتماعي، ويتجلى في مختلف مظاهره على مبدأ تفاوت القوة وتكاملها ناموساً في الكون وقانوناً في الوجود. فالكون يقوم على معادلات التناقض والاستقطاب والتكامل وتوازنات القوى، بدءا من أكثر عناصر الوجود اللامتناهية في الصغر حتى أكثر عناصر الوجود اللامتناهية في العظمة والكبر. فالصراع يبدأ في قلب الذرة ولا يتوقف حتى في مختلف مدارات المجرة. ففي قلب الذرة تتفاعل الإلكترونات وتتفاضل في تضافرات القوة والحركة على صورة التفاعل الذري بين أصغر مكونات الذرة بين النترونات والفوتونات، وفي قلب العالم المظلم المضيء -عالم الأفلاك والنجوم - يجري التقاطب بين الذرات والمجرات والشموس والأقمار في دائرة من التجاذب والتنابذ الكوني الذي يشكل قانون الكون الأساسي في المادة والحركة والطاقة. وقد اقرّ علماء الفيزياء في معظمهم بأن الحركة تلازم المادة والطاقة التي تشكل القوة المحركة للوجود، ويتجلى الكون وفقا لعلم الفلك والنجوم والفيزياء الكونية على صورة عالم متحرك في معترك تفاعلات كونية لا متناهية تقاطباً وتجاذباً.
فكل شيء كما يقول نيوتن " يجري كما لو أن الأجسام تتجاذب بنسبة أحجامها وبنسبة معكوسة لمربع بعدها بعضها عن بعض " وهذا القانون النيوتني يتيح لنا أن نفهم الحركات الظاهرة في السماء، وتلك التي تدور على الأرض، لأن قوانين السماء تحاكي قوانين الأرض توغلا في ثنايا الوجود. فالتجاذب والتقاطب والدوران وتشاكلات المادة المتحركة تشكل محكم الأسرار الحقيقية للوجود الكوني والاجتماعي في آن واحد. فالكون يتحرك بالقوة، وكل وجود يَمتثل لمبدأ القوة المحركة له في دورانه وتقاطباته وتجاذباته. وهل يمكننا أن نتصور ما الذي يحدث لو افترضنا بأن الأرض توقفت لبرهة عن الدوران؟ والأكثر هولا أن نتصور وهما بأن الشمس قد توقفت عن الحركة في لحظة ما؟ وعلينا عندها أن نسأل حينذاك عن مصير الوجود في المجموعة الشمسية وما يجاورها من أفلاك وأكوان.
ترتسم نظرية الصراع الكونية في أرقى مظاهرها الفلكية في نظرية الانفجار العظيم (The Big Bang Theory )[2]، الذي يقدر حدوثه قبل 13,7 مليار سنة، وهي النظرية الأكثر أهمية وخطورة في علم الفيزياء الفلكية، فالانفجار تعبير صراعي يدل حلى حدوث تناقض كوني رهيب في العناصر التي تشكل منها الكون. والانفجار لا يكون إلا بقوة ضاغطة وصراع ما بين الأضداد وهو يمثل حالة انفلاق ذري كوني بدأ في لحظة صفرية حيث لم يكن هناك زمان أو مكان، وفي خضم هذا الانفجار العظيم تشكلت الذرات والنجوم وانبثقت الظواهر الكونية وولدت الأشياء. وتنبئنا النظريات الكونية بأن هذا العالم اللامتناهي ما زال يولد دائما ويتجدد وينمو ثم يلتهم نفسه ويدمر تكويناته ويعيد خلق نفسه من جديد[3].