«أريد أن أؤكّد، إن كان هذا يحتاج إلى تأكيد، أن الكتاب يقع داخل الإسلام ومن أجله لا خارجه ولا ضدّه. هدفه تجديد الفهم للإسلام بوسائله الخاصة، وسائل الحضارة العربية طبعا، معزّزة ومؤيّدة بمكاسب ومنجزات الفكر الحديث والمعاصر. باختصار، طموحي كان ولا يزال هو عقلنة فهمنا للإسلام دينا ودنيا. الكتاب الأول والثاني يحاولان أن يعقلنا فهمنا للإسلام كتراث فكري ديني مجرد، كعقل مجرد. وهذا الكتاب يحاول أن يعقلن فهمنا للإسلام كمسيرة حضارية، كدولة وسياسة. وربما أطمح أيضا أن نتمكن يوما من تجاوز المعادلة الصعبة الخاصة بالأصالة / المعاصرة، إذا استطعنا أن نعقلن فهمنا للدين والدنيا معا.»[i]
«والدّوغمائية تقوم في جوهرها على تقديم مفتاح وحيدٍ يفتح جميع الأبواب. والمفتاح الّذي من هذا النّوع هو واحد من اثنين: إما مفتاح بوليس وإما مفتاح لصوص»[ii]
فاتحة:
تشكِّل المناقشة التّالية الجزء الثّاني الّذي نخصّصه لمقال العمري »الوظيفة البلاغية والرؤية البيانية في أعمال الجابري « المنشور ضمن المؤلَّف الجماعي المعنون بـ»محمد عابد الجابري، المواءمة بين التراث والحداثة«. وقد أدرنا المقال الأوّل على محورين: الأوّل هو اعتراض العمري على جمع البلاغة والنّحو والفقة والأصول وعلم الكلام في إطار "النّظام البياني"، والثّاني هو ادّعاء العمري تحوّل الجابري من الفلسفة إلى البلاغة. وندير المقال الحالي على ثلاثة محاور، الأوّل هو استدراك العمري على الجابري بتشعيب "النّظام البرهاني" إلى "برهاني شبيه" و"برهاني صميم"!، والثّاني هو قوله إنّه "كان الأجدر بالجابري تناولَ "العقل السياسي" و "العقل الأخلاقي" ضمن مبحث البيان"، والثّالث هو "حسمه" في موقع رباعية "التفسير" بالنسبة إلى رباعيّته "النقد"، والزّعم أنّ الثّانية خرجت من الفلسفة إلى البلاغة التّطبيقيّة.
1. الاستدراك على الجابري بتشعيب "النّظام البرهاني" إلى "برهاني شبيه" و"برهاني صميم":
يقول العمري: «أعتقد أن هذا التحول نحو المجال البلاغي بدأ بمجرد الخروج من الجزأين الأول والثاني من نقد العقل العربي (التكوين والبنية): فبقطع النظر عن صلابة الرؤية وتماسك المنظومة في العقول الثلاثة (العرفاني والبياني والبرهاني) التي يدور حولها الكتابان، فلا نقاش في أن التصنيف هنا مبني على مستوى المعقولية التي تتصاعد صلابتها من العرفان إلى البيان، ومن ثم إلى البرهان. ونظرا إلى أن البرهان لم يستعمل بمعناه المنطقي الدقيق –بحسب تصريح الباحث- بقيت هناك درجة رابعة )عليا) في سلم المعقولية، هي درجة العقل البرهاني بحق. وربما تكون الرتبة التي سيحتلها «الفكر العلمي» الذي فكر الجابري في تناوله بعد الانتهاء من رباعية نقد العقل، كما جاء في مقدمة مدخل إلى القرآن الكريم. وبذلك نكون بصدد سلّم للصلابة العقلية من أربع درجات: عرفاني وبياني وبرهاني شبيه وبرهاني صميم.»[iii]