"إني كُنتُ أشدّ الناس كلفا وأعظمهم حُبا بجارية لي كانت فيما خلا اسمها نَعم، وكانت أُمنية المتمني، وغَاية الحُسن خُلقا وخَلقا وموافقة لي، وكنا قد تكافأنا المودّة، ففجَعتني بها الأقدار، واخترمتها الليالي ومر النهار، وصارت ثالثة التراب والأحجار، وسِنّي حين وفاتها دُون العشرين سنة، وكانت هي دوني في السن، فلقد أقمتُ بعدها سبعة أشهر لا أتجردُ عن ثيابي، ولا تفتُر لي دَمعة على جُمود عيني". (ابن حزم عن حبيبته نعم)
أنجبت الأندلس طوال تاريخ الإسلام فيها الذي استمر لثمانية قرون عباقرة وعظماء في ميادين الشريعة والعلوم والآداب والفنون، فضلا عن السياسة والعسكرية، ودُعاة على درجة كبيرة من العفّة والصيانة.
وفي نهاية عصر الدولة الأموية في الأندلس، وفي سنوات ازدهارها الأخيرة واضطرابها أيضا، وفي بيت من بيوت الشرف والمكانة والسُّؤدد فيها، وُلد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم في عام 384هـ/994م، وهو واحد من الرجال الفطاحل في تاريخ الأندلس وعباقرة ميادينها الفكرية والفلسفية والدينية؛ ذلك الرجل الذي يبدو أنه جمع المتناقضات فصار رأسا للمذهب الظاهري، وفقيها مُتبحِّرا مقارنا في المذاهب الفقيهة كلها، وفيلسوفا متأملا، بل ورجل سياسة، إذ كان والده من الوزراء الكبار، وكان في الوقت ذاته ذا عاطفة جيّاشة، ونفس مُرهفة، وقلب يعرف للحب قدره!