
وليس غريباً أن يكون الفكر العلماني التنويري عرضة للهجوم من غلاة الإسلاميين المتطرفين. الغريب أن أشد المعادين للعلمانية في الفترة الأخيرة، هم من المرتدين عن الفكر التنويري عموماً، والذين يتسابقون للهجرة إلى مواقع الفكر الأصولي الإسلامي، بشقيه المتطرف، والإصلاحي. وأفضل سلاح يتسلح به مناهضو العلمانية هو تعريفها بما ليس فيها، ثم مهاجمتها من خلال التعريف الذي منحوه هم لها. وهذه التعريفات تتراوح بين الخلط المقصود بين العلمانية، والإلحاد، والتمييز القسري، بين "علمانية راديكالية متطرفة" وعلمانية "إنسانية" لا تحتوي من فكرة العلمانية إلا اسمها، أما المضمون فهو فكر ديني منغلق. ومن هنا، فالحديث عن أولويات العلمانية أمر يكتسب مشروعية وضرورة في وقت معاً. ولن أدخل في تعريف للعلمانية في سطر، كما لن أدخل في لعبة تعلم العلمانية في خمسة أيام بدون معلم، لأن أية فكرة هي أكثر تعقيداً من تطبيقاتها، وأوسع من أي محاولة لتعريفها. بدلاً من ذلك، سوف أقوم بالتمهيد للحديث حول هذه الفكرة، التي يزداد أعداؤها يوماً بعد يوم، بسبب الجهل بها. تعني العلمانية، بالنسبة لي ولكثيرين أشاطرهم الرأي، حيادية الدولة. فالعلمانية تفترض، وتؤدي إلى ألا تكون الدولة ملكاً لفئة من البشر الموجودين على أرضها. على الضد، تفترض العلمانية أن تكون الدولة ملكاً لمجموع الشعب، من دون أدنى تمييز بين الأفراد، من ناحية الجنس، واللون، والعرق، والدين، والطائفة، والمذهب. والدولة العلمانية، بحيادها، هي ليست دولة لا- دينية، تماماً كما أنها ليست دولة دينية.إنها إدارة محايدة لمؤسسات مختلفة، وغنية، ونوعيه، ينبغي أن تتم إدارتها بشكل يضمن ألا تطغى فئة، مهما كان حجمها ولونها، ودينها، على هذه المؤسسات. ولكن هذا الحياد يضمن بالمقابل حرية العقيدة، للفئات الكبيرة، وأيضاً للفئات الصغيرة.