
كان العرب الأوائل يتعلّمون اللغة على السليقة ، وكان منهم الخطباء والشعراء وأهل الأقوال المأثورة . وكان الشعراء منهم يقفون في سوق عكاظ ، يؤلفون في الحال ويلقون عشرات الأبيات من الشعر عن ظهر قلب ، وهم لا يعرفون القراءة والكتابة . وكانوا قد ألّفوا خير ما ألّفوا من قصائد شعرية في هذه الفترة العصيبة . ويكفيهم فخرا أن المعلّقات السبع ألّفت في هذه الفترة بالذات . فما احتاجوا إلى قواعد اللغة ، فالقواعد تضيّق النفوس والآفاق ، وهم أهل الصحراء الشاسعة . فلم يضيّقوا نفوسهم بهذه الشروط والقوانين والمحدّدات ، وما كان لهم أن يفعلوا ذلك ، وما وجدوا أنفسهم بحاجة إليها . وإذا ما أراد الحضّر منهم أن يعلّموا أولادهم فصيح اللغة أرسلوه إلى البادية ليتعلّم من أهلها أحسن الكلام وأفصحه وأبلغه . وكان نبيّنا محمّد (ص) بين من أرسل إلى البادية ، فتعلّم اللغة على خير وجه . وقد انعكس ذلك على أحاديثه وكانت قد سبكت خير سبك . وما هذه الأحاديث المسبوكة إلا خير دليل على فعّالية مثل هذه الطريقة من التعلّم .
وبفضل نشر الإسلام إلى العالم احتكّ العرب بغيرهم من غير العرب . لقد دخل إلى الإسلام أول ما دخل من غير العرب العجم . ولأن العربيّة ليست لغة أمهات الأعاجم فقد لقوا صعوبة شديدة في تعلّمها . فأرادوا أن يحصروا كل ما يقال من فصيح اللغة بقوانين وقواعد محدّدة لأنهم أهل حضارة ساسانية سابقة . لم يكن للعرب عهد بهذه القوانين والقواعد التي ما فتأت تنتشر حتى أضحت لها مدارس مختلفة . وليس من غريب الأمور أن يكون فطاحل قواعد اللغة العربيّة من غير العرب .
لقد تغيّرت الأمور كثيرا نتيجة هذا الاختلاط بسبب الإسلام الذي ساوى بين العربي وغير العربي وجعلهم كأسنان المشط يشدّ بعضهم أزر البعض الآخر لقد اعتنقت الإسلام قوميات أخرى غير العجم . ولأن الإسلام دين المساواة فتزاوج المسلمون من قوميّات شتى ، وأضحى بمرور الأيام من غير العرب من هم أهل الحول والصول ونتيجة لهذا الاختلاط فقد لكن العرب كغير العرب . وهم يعيشون اللكنة اليوم كغيرهم من غير العرب . وظنّوا أنهم إنما يقوّمون ألسنتهم كغير العرب بقواعد اللغة . فخاب ظنّهم ، واصبح العرب كغير العرب ، وحتى أكثر لكنا من غيرهم في بعض الحالات .
واليوم تعطي أهمية خاصة لتعلم قواعد اللغة في التربية والتعليم في كثير من الدول العربية . وفي واقع الحال إن تعلم قواعد اللغة صعب وخاصة بالنسبة للأطفال . والقواعد بحد ذاتها لا تعلم اللغة ، بل تعزف الأطفال عن التعلم . إنها تحدّد كل شئ بقوانين لا يجوز الخروج عليها البتّة . وأينما كانت القوانين كان الابتكار محدّدا إلى درجة كبيرة . كما يمكن تعلم اللغة بشكل صحيح بدون تعلم قواعد اللغة . ومثال ذلك أن الأطفال إنما يتعلّمون لغة الأم بدون أخذ دروس خاصّة في القواعد .