نبذة عن حياة وأعمال بونين
إيفان بونين (1870 ـ 1953) أحد الأعلام البارزين في الأدب الروسي الكلاسيكي، وقد بدأ حياته الأدبية شاعراً ، ولم يكن قد تجاوز العشرين من عمره حين نشرت مجموعة أشعاره الأولى، التي نال من أجلها " جائزة بوشكين "، ثم منح الجائزة ذاتها للمرة الثانية حين ترجم عن الشاعر الأمريكي (لونغفيلو) ملحمته الشعرية " هياواثا ".
بيد أن بونين معروف في المقام الأول ككاتب نثر ممتاز، ويعد أهم كاتب للقصة القصيرة بعد تشيخوف. ويتميز أسلوبه بالثراء اللغوي والعمق السيكولوجي. بونين شأن تشيخوف يأسر القارىء في قصصه بوسيلة أكثر من أي متعة أخرى، إن قصصه مواقف آسرة وشخوص فريدة، فالكاتب يجذب إنتباهنا فجأة لما هو عادي تماماً ومألوف عندنا في خبرتنا اليومية والحياتية، ولما مررنا به في الماضي مرات عدة دون أن تصيبنا الدهشة لولا ذاكرته الفنية.
في عام 1909 ـ عندما كان في التاسعة والعشرين من العمر ـ منحته أكاديمية العلوم الإمبراطورية الروسية لقبا أكاديميا تقديراً لإبداعه الأدبي، وهو شرف لا يحظى به، إلا القلة من العلماء والمبدعين.
نال بونين جائزة نوبل في الآداب لعام 1933، عقب صدور روايته " حياة ارسينيف " . و كان أول كاتب روسي يحصل على هذه الجائزة. وجاء في نص قرار منح الجائزة ما يلي: " بقرار من الأكاديمية السويدية تمنح جائزة الآداب لإيفان بونين لقاء الموهبة الفنية الحقة التي تمكن بواسطتها من إعادة خلق الشخصية الروسية بقالب نثري جميل " .
عندما تقرأ قصص بونين لا يمكنك إلا أن تفكر في لغز الوجود الإنساني ومواجهة الإنسان لمصيره المحتوم .
ثنائية الحياة والموت في قصص إيفان بونين
ثنائية الحياة والموت ، كانت واحدة من اهم الثبمات الرئيسية في ابداع ايفان بونين . وقد عالجها الكاتب بطرق مختلفة ، ولكنه في كل مرة توصل الى إستنتاج مفاده أن الموت جزء لا يتجزأ من الحياة.و ليس للأنسان عزاء أو سلوى ، لا في العمل ، ولا في الحياة الأسرية . الحياة اليومية روتينية ومملة، والعمل مرهق ، والناس غرباء بعضهم عن بعض . عندما يأتي الإنسان الى الحياة ، فأنه يندفع على الفور الى نهايته . العالم – هاوية ، مستنقع ، والموت مسألة صدفة . حياة الأنسان لا شيء بالمفارنة مع العالم .
بلاغة الإقناع في النص الشعري: قراءة في ديوان "عودة الخريف" للشاعر المهدي لعرج* ـ د. محمد أبحير
1 – تقديم :
ينخرط هذا العمل في إطار إعادة النظر في المنجز الشعري قديمه وحديثه ومحاولة قراءته من جديد باعتماد آليات تحليلية جديدة ، فـ" متى غيرنا زاوية النظر وطورنا أدواتنا المعرفية في دراسة هذا التراث الأدبي وتجاوزنا الشرح البلاغي و اللغوي البسيط للقصائد أدركنا عمقها وثراءها وقد نقف على منطق خفي يحكم بنيتها ويصل بدقة بين أجزائها المتنافرة في الظاهر " [1].
لهذا فنحن في أمس الحاجة الى مسايرة التطورات الطارئة في أدوات النقد و مناهجه، من أجل قراءة القصائد قراءة جديدة. كما أننا نطمح إلى تأويل جديد للنصوص ،فقد سجنتها مقاييس الدراسات التقليدية، مما أدى الى تشابه نتائج التحليل عند العديد من الدارسين .
وهكذا تصبح القراءة الحجاجية للنص الأدبي ولادة جديدة أو إعادة إنتاج له ، عن طريق استثمار طاقة التأويل، التي ستمكن من الكشف عن الجوهر المكنون الثاوي في الأعماق ،لأنه ليس مطروحا في الطريق ، إنما يحتاج إلى الغوص مرات و مرات إلى أن نظفر به أو بمثله .
إلا أنه لا بأس من التذكير في ختام هذا التقديم، بأن موضوع تحليل الخطاب الشعري من زاوية حجاجية ، ما زال يتلمس طريقه معرفيا و منهجيا ، لهذا فهذه المحاولة لاتعدو أن تكون اجتهادا في هذا المجال الفسيح و الرحب .
قراءة في المتن الحكائي لرواية جيل آخر ( أولاد النصرانية) لأحمد الشطيبي ـ السعيد أخي
تعد الرواية جنسا أدبيا راقيا ، يلجأ المبدع إلى كتابته ، عندما يحسّ بالرغبة في معالجة قضية ما بطريقة فنيّة، ويتسنى له ذلك من خلال مجموعة من المكانيزمات المتحكمة في العملية السرديّة، وذلك عندما تستوي حبال الأحداث في بوثقه ذهن الراوي وتسعفه اللغة للتعبير عن أفكاره بشكل أنيق بلا حدود أو قيود ، فالرواية عمل له قدرة على منح الراوي إمكانات سردية عبر مسافات الأزمنة دون إحساس بالضجر وهذه الإمكانية لا تتيحها الأجناس الأدبية الأخرى.
جاءت رواية (جيل آخر ) باعتبارها تصويرا للأزمة الرّوحية التي يحسها الإنسان المنشطر بين الواقع العيني المفعم بالتناقضات ، والعالم المفترض المثالي الذي ترنو إليه النفس وتتشوق لمعانقته.
إن (جيل آخر) عمل إبداعي يحكي قليلا من كثير، على عكس بعض الأعمال الروائية الأخرى ، فقد كثفت السارد المعنى ولم يسهب في رسم التفاصيل ، لربما لأنه يحكي عن لحظات يضمر فيها المسكوت ويعلن من خلالها المشترك.
هذه الرواية هي عمل إبداعي يشد القارئ من خلال قراءة عتباته ، لا من حيث اللغة أو طرق تشكلها ، ولكن من حيث معالجة قضية ، متشابكة الخيوط ، وصعب في الوهلة الأولى أن يدرك القارئ أو الناقد مرامي السارد الفكرية ، إلا بعد لَأْي.
الحداثة بين قلق السؤال والمغامرة في المجهول : توظيف الأسطورة - بغاديد عبد القادر
يُشير أكثر من دارس لنصوص الشعر الحداثي إلى دور الاسطورة في تكثيف المعنى إلى درجة الإبهام والغموض، وهذه العودة إلى الفكر الانساني في تراثه القديم وثقافته العالمية من الناحية الفنية تبرز اهتمام شاعر الحداثة العربية بالأساطير كونها شكلا من اشكال التعبير يتجاوز لغة التعبير الخطابي « فشاعر الحداثة يبحث عن اشكال يتجاوز بها لغة عصره لأنه في أمس الحاجة إلى جديد يخرجه من دائرة المباشر والواضح».
لقد أرادت حركة الحداثة الشعرية العربية أن ترتفع بالشعر إلى مستوى يتحقق معه الدور الفلسفي أو المعرفي للوجود، أي أن يستوعب الشعر كل ما يطرح من مسائل فلسفية وقضايا اللاهوت وعلم الاجتماع والانثروبولوجيا فضلا عن السياسة والتاريخ وعلم النفس من خلال امتلاك الشاعر المعاصر لثقافة عالمية في بعدها الإنساني، حيث كونت لديه مخزونا ومرجعيات ثقافية وفكرية نهل منها ما انسجم مع تجاربه الآنية، ومنها الأساطير التي عرفها واطلع عليها وعلى أبعادها الرمزية والإنسانية والدلالية.
مناخات القمع في مجموعة "فحيح حواء لحسين لحفاوي: أقصوصة "الصمت" أنموذجا - بوعزة رياحي
مدخل:
تأخذنا أقصوصة الصمت عبر مناخات وحشية القمع وجحيميته إلى مرجعيات نصية ضاربة عميقا في وجدان القارئ العربي، مخترقة بقوة نص الأقصوصة آخذة بتلابيبها نحو إحالات شتى وأجناس كتابية متنوعة منها الشعري ومنها القصصي على غرار روايات "اللص والكلاب" و"الشحاذ" لنجيب محفوظ، و"شرق المتوسط" و"الآن هنا" لعبد الرحمان منيف، وأقاصيص زكريا تامر ومحمد الماغوط... أما من النصوص الشعرية فيمكن أن نذكر على وجه الخصوص أشعار مظفر النواب. وهي نصوص تظل مهما سعى النص المبدع إلى طمس معالمها تطل لمحا من وراء الغيب فاتحة أرشيف الكتابة كاشفة كواليسها. وهي ملامح تشمل مختلف العناصر القصصية. ونعني بها أبنية السرد والزّمان والمكان والشخصيات. وحسبنا التأنّي لدى هذه الأبنية للوقوف على ملامح تلك المناخات وسبل صياغتها، غير أن ولوج النص يلبث رهين التوقف عند عتباته .
1- في عتبات النص:
نقف في هذا النص على عتبتين اثنتين هما العنوان والتصدير.
1-1- عتبة العنوان: الصمت
الشاعر العراقي حامد عبد الحسين حميدي في مديح البياض.. :خطاب تسويفيّ يتوسّلُ زئبقية الأمل - احمد الشيخاوي
الأكيد أنّ كلّ كتابة لاحقة أو بالأحرى مؤجلة ، تجبّ ما قبلها، تماما كما سوف نستشفّ من إرسالية شعرية تفنّنت في ملامسة الصّميم الإنساني، وطبيعيّ جداّ أن الازدهار الإبداعي ليس يتحقّق بسوى صقل التجارب ومراكمتها،مثلما أنّ الكمّ يولّد الكيف انتهاء.
هذا حين تعبق الوشاية وتتضوع من ذات شكّاكة قلقة تدمن كتابة ممسوسة بعذرية أبدية. نكتب وكأنّنا لا نكتب،لأنّ هواجسنا ما تنفكّ ترتع وتمتاح من تفاصيل حواشي تجريبية تندغم إيقاعاتها في نبض حياتي يتسارع مخترقا جيوبا غيبية مغرية ومحرّضة على المقامرات التعبيرية خارج التصنيفات الأجناسية،وطاعنة بانثيالات موسيقية لخطى عبورنا في انرسام شبه مثالي داخل حدود خارطة الحلم الذابل في دورة انخطافه و خفّة عبوره.
تلقّفا لنفحات الأمل العابر . نحو الأفضل وإن توهّما .نحو خلاص رمزي منوطة به منظومة ما يؤهّل الذات لمشاغبة أو مناطحة عالم تجاوز إنسانيتنا ببشاعته وسلبيته وشتى مناحيه المنقوصة.
سأنتظر خروج الحروف الصّامتة..
أنفاس تتساقط بين أصابع الجمر ـ نجاة الزباير
َلاَ تراني ..................
كَقُبلَةِ ترابٍ / على / خدِّ نهر
كَسَرابٍ مخمورٍ / تائهٍ في لُجَجِ بحر
أمشي / غبارًا / رمادًا / فوق وجْهِ قبر
الشاعر عز الدين بوسريف
•قنديل بلون الماء
لا تقف أمام بابه
واترك نعليك
المبللة بقصائده الزرقاء
كي تراه لغةً
تطير بجناحي فراشة
بين الماء والهواء
يقول:
أراني بين يدي الشعر أنخطفُ
ومن فوق كتفي العالم أتأمل هذا العماء.
..............
زمن السـأم(1) : تــأملات في قصيدة " الظـل والصليب "لصلاح عبد الصبور ـ إبراهيم مشارة
لطالما اتهم شعرنا القديم بأنه شعر خالي من الفكرة قياسا إلى الشعر العالمي وتحديدا الشعر الأروبي، ذلك أن النقاد والدارسين خاصة المستشرقين أخذوا عليه مآخذ تلخص في كون شعرنا القديم سقط في فخ التقليد. فإذا كان امرؤ القيس قد وقف على الأطلال فبكى واستبكى حسب كثير من الشعراء أن هذا هو طريق الشعر وحده وأن الشاعر الذي لا يبكي على الأطلال ليس بشاعر ، وأن القصيدة التي لا تستهل بذكر الطلل ليست بقصيدة ، حتى ولو كان الشاعر ما عرف طللا في حياته ، وأخذ على شعرنا أنه شعر الانفعال الحاد والعاطفة المشبوبة كأنها فرس جموح لا تسلس القياد للعقل ، وشأن العاطفة الحادة في الفن كشأن الشهاب يلمع فجأة نارا ونورا ثم يخبو ضوئه وينتهي رمادا ، والشعر رؤيا ذاتية وصياغة جديدة للعالم قوامها العاطفة الهادئة والفكرة المتأملة بغير مبالغة تشط عن حقائق الوجود أو تنكر في صلف ما هو من يقينيات الطبيعة والحياة ، وأما سقوط شعرنا في فخ الخطابية فذلك شأن لا ينكر ومن شأن الروح الخطابية أن تسطح الفكر والشعور وتجنح بصاحبها إلى الرياء، وتدفعه رغما عنه إلى كد الذهن في استقصاء الألفاظ المدوية والعبارات الرنانة والاستعارات البديعة والتشبيهات غير المسبوقة حتى يوصف صاحبها بالبليغ وبالشاعر المقوال ويستل من النفوس الإعجاب ومن القلوب المودة ومن خزائن السلطان المال الوفير .