كثيرة هي الأعلام الأمازيغية التي لا تبوح بسرّ معناها وتحتفظ به، ويأتي التداول عبر الزمن ليُدخل تعديلات عليها ليزيد من تعقيد مهمة فهمها وتأويلها وتصنيفها، ومن هذه الأعلام اسم "ميدلت". إن اسم المكان ليس ترفا يمكن تحييده بل يكاد يكون الجوهر لارتباطه الوثيق بشبكة من العناصر ذات الأبعاد الثقافية والهوياتية. إن أي دراسة طوبونيمية تستدعي منا الحذر الشديد حتى لا نسقط في التحاليل والتأويلات السطحية أو ما يصطلح عليه القدف بالتخمين، بالبحث عن قرابة محتملة مع بعض الأعلام الأخرى في وقتنا الحاضر واقتراح فرضيات فيها تشويه للغة وإساءة لها أكثر مما هو شيء أخر.

      لاشك أن عنوان المقال يحيل على موضوع مهم لم تفرّد له دراسات متخصصة تتناوله من زوايا مختلفة إلى جانب محاولة في التأصيل التاريخي، و يتعلق الأمر بالعلاقة  القائمة بين الفلاح والأرض من جهة والسلطة القائمة من جهة أخرى، فمن خلال تفحصه للوهلة الأولى تتبادر لذهن القارئ عدة أسئلة من قبيل: لماذا أدرجنا عبارة الفلاح بين عبارتي الأرض والسلطة، وإن كان الهدف سلفا من الدراسة الكشف عن تاريخ فئة مهمشة في تاريخ المغرب "الفلاحون" في علاقتها بالأرض والسلطة؟ وما علاقة الأرض والسلطة بالفلاح أو بالأحرى كيف ساهمت في تحديد وضعيته وأدواره في مجتمع تقليدي يتكئ على ما تجود به الأرض؟ وإلى أي حد حسمت سلطة الأرض التمايزات الاجتماعية التي تخللت المجتمع الوطاسي وحددت مستوى عيش فئاته؟ وما علاقة الإسناد الغير مشروع للأرض في حسم تمايزات فئة الفلاحيين في فترة سياسية صعبة عاشها المغرب كانت الحاجة فيها ملحة لمن يتطوع لأعمال الفلح وبالتالي توفير القوت ؟ وهل تسمية الفلاح تطلق فقط على المالك للأرض أم تتجاوزه إلى الممتهن الغير مالك لها أو ما يعرف ب " فلاح بدون أرض"؟

 تقديم
إن الرحلة إبحار في خبايا متنوعة ،ووصف مباشر لما يتراءى للعين ،تجمع بين طياتها عدة معطيات يستفيد منها شتى الباحثين من مؤرخين وجغرافيين وأنتروبولوجيين وحتى علماء اللسانيات وغيرهم .
إن فن الرحلة لون أدبي  قديم قدم الزمان، من أيام حانون القرطاجني ،إلى رافعة رافع الطهطاوي المصري ، فيه فائدة كبرى وجمة للمؤرخ والانتروبولوجي والسوسيولوجي كما أسلفنا. كما أنه ضرب من السيرة الذاتية في مواجهة ظروف وأوضاع، وفي اكتشاف معالم وأقطار، وبلدان ووصفها، والحكم عليها وعلى المجتمع فيها، حكاما ومواطنين، فهو وصف في النهاية لكل ما انطبع في ذهن الرحالة عبر مسار رحلته وفي احتكاكه بالمحيط، يتآزر في ذلك الواقع والخيال، وأسلوب القص والحقائق العلمية التاريخية والجغرافية والاجتماعية والنفسية وغيرها.[1]

مقدمة
شكل الصراع بين العالم المسيحي ونظيره الإسلامي سجالا رئيسيا طوال عقود وحقب في مناطق مختلفة ،سواء بين الممالك المسيحية والكيانات السياسية الإسلامية المتواجدة في الأندلس ،أو بين الإمبراطورية العثمانية والدول النصرانية ،والتي كانت تخوض جل حروبها  تحت ذريعة الوازع والتعصب الديني الذي كان يربو نشر المسيحية وإعلاء رايتها في العالم الإسلامي .
وقد شكل شمال المغرب منطقة تجاذب بين العالمين من خلال استحضار عدة معطيات أساسية ،تتجلي في موقعه الجغرافي الفاصل بين العالم الإسلامي ،ونظيره الأوربي ،واحتضانه لعدة نزاعات وحروب  بين المسيحية والإسلام  في إطار ما يسمى بصراع الحضارات حسب صامويل هامينلتغون .

تشهد سواحل العالم اليوم تدخلا بشريا بالغ الأنانية في نظامها الدقيق، بفعل العودة الملحمية التي يُدشنها إنسان العصر الحديث باتجاه البحر. فالاقتراب الذي بدا للبعض نوعا من المصالحة مع تاريخنا المائي، ومع ذاكرة الساحل التي تحفظ السجل الأقدم للإنسان العاقل، لم يكن اقترابا ذهنيا وثقافيا بقدر ما كان عودة ترفيهية واقتصادية، تكتسي يوما بعد آخر بُعدا تدميريا للمخلوقات الساحلية.
أصبح العيش على الساحل مليئا بالتحديات، وبحاجة لفهم متجدد لمختلف طرق العيش التي مارسها أسلافنا طوال مالا يقل عن مائتي ألف سنة، بدءا بالصيادين والبحارة القدامى، وصولا إلى المعماريين الهولنديين للأراضي المستصلحة.

في مؤلَّف بعنوان "المسلمون الجدد: المهتدون إلى الإسلام" صادرٌ عن منشورات لافورو الإيطالية، تناول عالم الاجتماع الإيطالي ستيفانو أَلِيافي بالبحث والتحليل ظاهرة التحول الديني إلى الإسلام في الغرب المعاصر. وهي ظاهرةٌ لافتةٌ تمسّ شرائح اجتماعية متنوعة. حيث يرصد الباحث مختلف أشكال الاهتداء، من الاهتداء البراغماتي بقصد الزواج، مرورا باهتداء "البزنس"، كما يطلق عليه، بغرض تيسير الأشغال والأعمال، إلى الاهتداء الروحي المتعطش إلى اليقين، وغيره من ضروب الاهتداء. والمفكر الفرنسي رينيه غينو –René Guénon- (1886-1951م)، الكاثوليكي المنشأ -تلقى تعميده بعد شهرين من مولده- أحد هؤلاء الذين سلكوا طريق الروح للولوج إلى عالم الإسلام، بعد مسار حافل بالتجوال بين مختلف أنواع التقاليد الروحية الكونية، المسيحية والهندوسية والطاوية والبوذية وغيرها، إلى أن انتهى به المطاف عند التقليد الروحي الإسلامي الذي وجد فيه ضالته. وطريق الروح طريق وعرٌ مليءٌ بالبروق الخادعة، كما وصف تشعّباتها أبو حامد الغزالي في "المنقذ": إن اختلاف الخلق في الأديان والملل، ثم اختلاف الأئمّة في المذاهب على كثرة الفرق وتباين الطّرق، بحرٌ عميقٌ غرق فيه الكثيرون، وما نجا منه إلاّ الأقلّون.

تقديم
مخلوقات ضعيفة ومضطهدة مختفية تحت تشادور أو برقع. تلكم هي الصورة الخالدة النمطية عن النساء العربيات التي تقترحها وسائل الإعلام الغربي، عن طريق الخلط باستخفاف بين السياقات والقوميات. هل ستكون إذن هاته النساء خارج التاريخ؟ وإذا لم يكن الأمر كذلك، فكيف نفسر النكوص الكبير الذي شهدته حقوقهن خلال العقود الأخيرة؟ عن هذين السؤالين وغيرهما سوف تجيب الكاتبة الفلسطينية سحر خليفة من خلال مقالها الذي كان في الأصل محاضرة ألقتها الكاتبة يوم 05 مارس 2015 بمركز الدراسات الفلسطينية التابع لمدرسة الدراسات الشرقية والأفريقية بجامعة لندن. تعميما للفائدة، أقترح ترجمته من الفرنسية إلى العربية.

نص المقال
هذا شيء معروف جيدا: في الثقافة العربية كما في ثقافات كثيرة أخرى، تجسد المرأة الجنس الضعيف، الجنس الآخر، الجنس المختلف، الجنس الذي لا يرث شيئا من شيء، حتى من اسمه العائلي، الجنس الذي يمكن له أن يجلب الدناءة أو المهانة. استقبلت أسرتي (حدث) ميلادي بالدموع. كنت بنتا، الخامسة في الأسرة، قل خيبة الأمل الخامسة و، بالنسبة لأمي، الهزيمة الخامسة. إلى جانب زوجة عمي، التي أنجبت بنجاح عشرة بنين جمالهم يفوق الوصف، تبدو أمي في صورة المرأة المشؤومة. حاولت أن تظهر أكثر جمالا، أكثر ذكاء وكرامة من عمتي (ومن كل نساء العائلة)، غير أن الجميع اعتبروها الأقل خصوبة، المراة التي لا تستطيع أن تنتج ثمارا ذات جودة.

يندرج مؤلَّف الكاتب الإيطالي بييترانجيلو بوتافوكو ضمن مؤلفات المهتدين الجدد إلى دين الإسلام، وهو ليس كتابا كلاسيكيا عن رحلة اهتداء ديني، كما دأبت العديد من السِّير التي حبّرها لفيف من المتحولين نحو عالم الإسلام؛ بل هو مؤلَّف يروي كيف يرى المعتنق-المنتمي لهذا الدين، ابن الواقع الغربي العلماني، عالمَ الإسلام اليوم، الذي بات منتسبا إليه ومنفعلا بأحداثه وإلى حدّ ما معنيا بمصائره. فليس خطّ التحول نحو الإسلام في الغرب الحديث فاصلا سطحيا، لأناس حيارى وجدوا ضالتهم في سحر الشرق كما يروج عادة، بابتذال للظاهرة المركّبة وتسطيحها؛ بل هو دربٌ عسيرٌ وإدراك عميق، سلكته شريحة في الغرب منها قامات فكرية عالية لعلّ أبرزهم رينيه غينو وهنري كوربان وروجي غارودي. فأية مصاعب وأية تحديات يلقاها هذا "المهاجر الروحي" في طريقه؟ لا سيما في حقبة عاصفة يعيشها المهتدون الجدد، متّهَمين بموالاة أجندات أجنبية، أو محسوبين على دول مارقة وتنظيمات متطرفة عابرة للقارات، تجد ملجأ في فضاءات متوترة من العالم الإسلامي، ولا سيما في المشرق العربي، كما نرى اليوم في بلاد الشام وما جاورها.
إذ يدعو العنف المتفجر في البلاد العربية وبلاد الإسلام عامة، إلى تأمل فكري رصين بعيدا عن الإسقاطات المغرضة التي تتحكم بمقاربة هذه الظاهرة والمتراوحة بين الاتهام والتأجيج، ذلك ما تناوله قسمٌ واسع من كتاب بوتافوكو المعنون بعنوان استفزازي "فظاعة السراسنة"، ولفظة السراسنة في معناها الغربي الغائم تعني العرب والمسلمين على حد سواء؛ فضلا عن طرحه إشكالية معنى أن تكون مسلما غربيا اليوم. حيث يتساءل الكاتب منذ مطلع كتابه أين يسحب العنفُ العبثيّ العالمَ الإسلاميَّ وقرآنه المجيد يؤكد بصريح القول: "من قتلَ نَفسًا بِغير نَفسٍ أَو فَسادٍ في الأرضِ فَكأنّما قَتل الناسَ جميعًا"؟ أوَمَا زال معنى لهذه الآية في ظلّ تزاحم تأويليات العنف المستندة إلى نصّ مقدس، وقد تضاربت الفتاوى وتزعزت الثقة في المرجعيات؟ وهل أفلس الشرق من أولياء الله ودعاة اللاعنف ليتحول إلى مرتع لتجار السلاح ومروّجي الفتن ولم يبق سوى مجيء المسيح الدجال (برنار ليفي وفق قول الكاتب) لينقذ الشرق من تيهه. فقد بلغ هولُ التناحر مستوى متقدّما، بات يأتي على الأخضر واليابس، الأئمة والمصلين، المستأمنين والمستجيرين، حتى لكأن الصراع المحتدم في العراق وسوريا صراع أبوكاليبسي، أخروي، كما تصوّرُه رسالة يوحنا في العهد الجديد وفق بوتافوكو. واقعٌ يشبه دورة الفتنة الأبدية، كلّما خرج المرء من واحدة انكبّ في أخرى أشدّ وطأة.