رسم خريطة المشهد الذي تعيشه الأقليات في العالم العربي ليس سهلاً، وتحليل الوضع المعاصر الذي تواجهه هذه الأقليات أمر بالغ التعقيد، والنماذج أو الأساليب المتاحة لإدارة التنوع تحتاج مناهج مختلفة بما في ذلك الفكر الإسلامي التقليدي والحديث، والتعددية الثقافية الليبرالية، والتوافقية. ورغم أن لكل منها حدوده، فإننا نتبنى النموذج الذي يجمع بين نقاط القوة في كل منها، فهو لا يقدم الحماية القوية للأقليات فحسب، بل ويضمن أيضاً دمجها في بناء هوية وطنية متداخلة ومتقاطعة في الدول العربية. وعلى أساس التسامح والاعتراف، يسعى هذا النموذج إلى تقديم عملية قابلة للتطبيق من التكيف وإدارة الاختلاف، وهو الأمر الذي سيكون مطلوباً بشدة من أجل تيسير نظام أكثر ديمقراطية وتعددية في العالم العربي.
إن قضية الأقليات العرقية والدينية والمذهبية واللغوية بشكل عام تتسم بدرجة عالية من الحساسية، وينظر لها رغم أهميتها على أنها مسألة خطيرة، لذلك فإن مقاربة هذا الموضوع الشائك يحتاج الكثير من الدقة والروية والموضوعية والانضباط المنهجي، خاصة في ظل المرحلة الحالية التي تشهد عولمة اقتصادية وتوحش الرأسمالية الصناعية التي حولت أربعة أخماس سكان الكون إلى مستهلكين يلهثون خلف توفير مقومات الحياة التي حددت أنماطها ديكتاتورية الأسواق العالمية، بذريعة تحقيق الديمقراطية في المجتمعات الناشئة، وتحت شعارات حقوق الإنسان بشكل عام، وحقوق الأقليات بشكل خاص.
إن العناصر المتشابكة والتعقيدات التاريخية في مسألة الأقليات تشكل واحدة من أهم الصعوبات أمام أي باحث يتناول هذا الموضوع بالدراسة والتحليل، ويضعه أمام تحديات وخيارات دقيقة، فإما أن تكون مع الليبرالية الجديدة في الدفاع عن حقوق الإنسان بشكل عام، وحقوق الأقليات بشكل خاص، من خلال تبني براغماتية منفعية مقترنة مع دوغمائية لا تريد أن ترى إلا جانب واحد من الموضوع، وإما أن تكون في مواجهة التحديات، وأن تكون ضد إعادة ترتيب المجتمعات البشرية بما يتوافق مع المفاهيم الجديدة التي ينتجها الاقتصاد العابر للقارات، وبذلك قد تجد نفسك متهماً بتجاهل حقوق الأقليات والتفريط بها، أو التوجس منها في الحد الأدنى.