هي القمة التي يلتقي فيها كل شيء لصالح الحضارة الأخلاقية ، حيث يزدهر التعليم في معناه الأعمق للكلمة ، وهي أيضا المدينة العلمية ، و مصير المعرفة داخل المجتمع مرتبط بمصيرها ، كونها مكرسة لحضارة العقل ، إنها الجامعة التي لم تكن فكرة إنشائها رديئة .
فالجامعة و منذ نشأتها و حتى اليوم مرت بمتغيرات عدة على مستوى البنيات و الوظائف ، فبالرغم من أن إرث الأكاديمية الأفلاطونية ، و كذا الجامعة القروسطية ظهر بشكل جلي في ملامح الجامعة الحديثة ، إلا أن جامعة ما بعد الحداثة ستعرف تطورا منقطع النظير مع مرور الزمن ، هذا التطور الذي شهدته الجامعة سيكسبها خصائص معينة ، بحيث ستصبح مكانا للامتياز العقلي، و المعرفة الموضوعية ، و فضاء متميزا لجميع و مختلف التيارات الفكرية ، حيث يسود النقاش و الاختلاف . هذه الخصائص و السمات ستصير من محددات هوية الجامعة الجديدة ، التي ستشكل المنطق الخاص المتحكم في بنياتها و صيرورة تطورها .
- إذا كانت الجامعة في الدول المتقدمة تضطلع بمهام متعددة ، في مقدمتها صناعة الإنسان و تغيير الواقع ، إلى جانب المهام الكلاسيكية المتمثلة في التكوين و البحث العلمي ، فإن الجامعة عندنا فشلت تقريبا في الكثير من الوظائف المنوطة بها ، فهي تختزل جميع العناصر المكونة لازمة النظام التعليمي .
المعلّم ومهام التربية على المواطنة البيئيّة ـ عبدالله عطيّة*
التربية مشغل مجتمعيّ حسّاس ودقيق ،وحساسيته مردّها انتظارات المجموعة الوطنيّة منه في كلّ قطر، ولذلك فالاستثمار في المعرفة اليوم رهانٌ تتنافس من أجله الأمم والشعوب ،ويُباهي بإنجازاته بعضُها البعضَ، فضلا على أنّ مقياس رقيّ المجتمعات أضحى تربويّا ومعرفيّا. فالتربية مدرسيّة مثلما هو معلوم ،والمدرسة هي المؤسّسة المُناط بعهدتها وظائف ثلاث :الوظيفة التربويّة والوظيفة التعليميّة والوظيفة التأهيليّة ،أمّا عن الوظيفة الأولى فتتمثل في "تربية الناشئة على الأخلاق الحميدة والسّلوك القويم وروح المسؤوليّة والمبادرة ،وهي تضطلع على هذا الأساس :
- بتنمية الحسّ المدنيّ لدى الناشئة وتربيتهم على قيم المواطنة...
- بتنمية شخصيّة الفرد بكلّ أبعادها الخلقيّة والوجدانيّة والعقليّة والبدنيّة..
- بتنشئة التلميذ على احترام القيم الجماعيّة وقواعد العيش معا.."
التربية العنيفة: إضاءة على واقع العنف ضد الأطفال في الحياة المدرسية ـ ذ.إبراهيم بايزو
تقديم.
تعد ظاهرة العنف ضد الأطفال إحدى أبرز سمات الحياة المدرسية المغربية. وإذا كانت هذه الظاهرة قد شغلت في الآونة الأخيرة حيزا كبيرا من اهتمام وسائل الإعلام التي توقفت عند عدد من الحوادث المشينة في هذا الإطار فإنها رغم ذلك لم تنل، في نظرنا، ما يكفي من البحث والدراسة سيكولوجيا وسوسيولوجيا.
إن هذه الحقيقة تجعل من تسليط الضوء على هذه الظاهرة ودراستها ميدانيا مسألة في غاية الأهمية؛ وذلك من أجل التنبيه لخطورتها ومساهمة في الحد منها لما لها من آثار وخيمة نفسيا واجتماعيا، ولما تشكله من مساس بإنسانية الإنسان وكرامته الواردة في قوله عز من قائل: "ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا." (سورة الإسراء، الآية 70)
ولا يفوتنا أن ننوه إلى أن هدف هذه الدراسة يتحدد أساسا في رصد واقع العنف ضد الأطفال في المدرسة المغربية وأسبابه، وكذا الوقوف على درجة التقدم الحاصل في جهود احتواء الظاهرة خاصة في مجال الدراسة.
كيف ينبغي أن يكون التعليم ـ أوليفيي روبول ـ ترجمة : فريد أبي بكر
لابد أن نميز بداية،بين التعليم وباقي أشكال التربية؛فهو مختلف تماما عن التربية الأسرية التي تكون بشكل تلقائي،ومختلف أيضا عن التكوين الذي يهيئ شخصا لوظيفة معينة. إن التعليم يتميز عن التربية في الأسرة على اعتبار أنه يكون بشكل قصدي،وفق برامج،وبمعية مهنيين يسهرون عليه،كما أنه يمارس داخل مؤسسة. و يختلف عن التكوين على اعتبار أنه غاية في حد ذاته؛إذ يتم تعليم شيء لشخص ما،بينما يتم تكوين شخص لوظيفة ما؛معنى ذلك أن غاية التعليم أو على الأقل موضوعه هو التلميذ،بينما موضوع التكوين هو الوظيفة الاجتماعية،حيث المهم هو عامل المستقبل أو طبيب المستقبل.
إن المعارف المدرسية هي لأجل المتعلم وليست لأجل هدف خارجي،إنها غاية في حد ذاتها،فالنجار المتعلم أو الجراح المتعلم هو دائما وسيلة؛لا يتم تكوينه لأجل ذاته،بل لأجل شيء آخر.في حين أن التلميذ يعمل،كما يقول أفلاطون"من أجل تنميته،من أجل تربيته الخاصة"[1]؛يتعلق الأمر بمعارف نزيهة،بدون مصلحة أو غاية مهنية على الأقل في اللحظة الفورية؛فالعمل المدرسي سواء كان عقليا أو يدويا فهو يختلف بماهيته عن العمل الإنتاجي الذي يكون فيه العامل دائما وسيلة لغاية تحدد له من الخارج. في المدرسة،التلميذ يعامل كغاية،إنه يعمل لأجله ويتعلم استقلاله الخاص. أما التكوين فلا يمكن أن يكون إلا خارج المدرسة،أو بعدها،وسيكون أكثر فاعلية إذا كان مسبوقا بتعليم شخصي،يكون الشخص قادرا من خلاله على بنينة الذاكرة وتكوين الحكم،ويمكننا في هذا الجانب أن نفكر فيما يميز الرياضة المدرسية عن الرياضة المهنية لنفهم فيما يتميز العمل المدرسي عن العمل الإنتاجي.
من التعلم الذاتي نحو التقويم الذاتي ـ مراد ليمام
لعل مختلف إجراءات التقويم التكويني الخاصة بالمدرس، ينبغي أن تكون في خدمة التقويم والتصحيح الذاتيين لدى المتعلم ، ما دام الأساسي هو تحكمه في مختلف الإجراءات ، وتمكنه من التساؤل بصدد ما هو مقدم على فعله أثناء التقويم من أجل تحقيق فعل أفضل: "فالمراقبة الذاتية هي موضوع الدراسة لدى المعرفيين تحت مصطلح: إجراءات تدبير الإجراءات Procédures de gestion des procédures"(1).
وينبغي أن لا ننسى أن التقويم الذاتي ليس فقط المراقبة الذاتية، بل هو أيضا التساؤل الذاتي L’auto-questionnement . وبتعبير أدق ، الملكة التي تدفع الذات إلى طرح أسئلة بصدد ما هي مقدمة عليه وعلى فعله : " ما الذي أنا بصدد فعله ؟ وما المعنى الذي يحمله الفعل ؟ أو ما المعنى الذي أنا بصدد بنائه ؟...الخ"(2).
التربية والديمقراطية علاقة غائبة ـ أشرف البطران
"فكما أن ماهية المادة الثقل، فإننا من ناحية أخرى نؤكد أن ماهية الروح هي الحرية" هيغل
لا يزال نظامنا البيداغوجي يعاني أزمة تحديد المحور الذي يجب أن يدور في فلكه بعد أن فقدت واستبعدت نقطة الإسناد المركزية لهذا النظام, وأخذ يسبح في فضاء اللاجاذبية, بعيداً عن الأهداف المتغيا تحقيقها, وبخاصة بعد أن أصبح المعلم والمنهاج هما محور العملية التربوية، والطالب في وضعية المتلقي الخاضع لسلطته التنفيذية. هذا كله راجع لضبابية الموقف التعليمي والفهم الخاطئ لطبيعة المرحلة, حيث لا يزال المعلم يعتقد أنه المصدر الوحيد للمعلومة، في الوقت الذي أصبحت فيه الأخيرة مشاعاً يستطيع المريد الحصول عليها متى شاء في ظل الانتشار الواسع للوسائط المعلوماتية.
ليس هذا إنكاراً للدور الحيوي الذي يلعبه المعلم في الحياة التعليمية, ولم تأتِ التكنولوجيا يوماً لتقوض دور المعلم، بل أعطته دفعة قوية للأمام, وإنما للطريقة التعليمية التي تسير باتجاه واحد، من المعلم الذي يقوم بالدور الحيوي الفاعل والنشط، إلى المريد المراقب والمحاصر في جميع حركاته, والذي لا يعدو عقله إلا مركزاً للودائع الجاهزة سلفاً, بالتالي يفرض عليه دور المستهلك السلبي لتلك الودائع؛ بمعنى أن الطالب لا يهتم بالمعلومة؛ سواء أكانت مفاهيم أم قوانين أم حقائق، بقدر ما يهتم باستنساخها وحفظها وتذكرها كما هي، لحين موعد اختبار التذكر.
أزمـة الحقل التربوي المدرسيّ في تونس: عالم رمزي مرتبك و خطاب مُتردّد ـ د. شهيد الفري
نسعـى في هذا المقال إلـى تقديم قراءة تفكّك جانبًا من جوانب أزمة المدرسة التونسية من منظور سوسيولوجي نقدي وضمن المقاربة البنيوية التكوينية لبيير بورديو . و منطلقنا فرضيّة عقم الثقافة التربويّة للمدرسة الرّسميّة إزاء عدم استقلالية حقلها و افتقار الفضاء الاجتماعيّ لشروط تجاوز ذلك العقم. لا تتناقض هذه الفرضية مبدئيّا مع الإقرار بأثر المدرسة التّونسيّة في التّغيّر الاجتماعيّ، إذْ لا يُمكن أن نتغافل عن دورها في " التنمية " بوجه ما،مع أنّ القراءات في ذلك تتعدّد و تختلفُ ، و لا يمكن أن نتجاهل بالغ أثرها في توزيع الهيمنة في الفضاء الاجتماعي ،غير أنّ الإقرار بذلك لهذه المدرسة لا يمنعُ تأكيد عمق أزمة ثقافتها التربويّة . و لا نتناول في مقالنا هذا التربية المدرسية النظام التربوي بالنقد على محك المعايير الرسمية المعتمدة ، و لا يعنينا البعد الرّسميّ إلا باعتباره خطابًا،وهو خطابٌ يستدعي القراءة و النّقد. أيْ لا نتعاطى من الداخل مع " حقيقة المدرسة " كما يسعى الخطاب الرسمي إلى تشكيلها بل مع خطابات المجتمع ، طالما أنّ " لكلّ مجتمع نظامه الخاصّ المربط بالحقيقة و" سياسته العامّة " حوْل الحقيقة : أي أنماط الخطاب الّتي يستقبلُها هذا المُجتمعُ ويدفعُها إلى تأدية وظيفتها كخطابات صحيحة[1] ". و إذْ نفترض وجود أزمة عميقة للثقافة التربويّة فإننا لا نقصد بذلك جاهزية أيّ تقييم معياري قيميّ بقدرما نعني الأزمة البنيويّة –التكوينيّة لتلك الثقافـة ، و أساسًا نفترض أنّ المسار التاريخي الاجتماعيّ للمدرسة الرسميّة التونسيّة شهد انكسارات متتابعة أثّرت في ثقافتها التربويّة وأربكت طبيعة تفاعلها مع الفضاء الاجتماعيّ .
منهجية تدريس النصوص الشعرية وفق مدخل القراءة المنهجية و بيداغوجيا الكفايات (شعبة الآداب والعلوم الٳنسانية بمسلك الثانوي التأهيلي – اللغة العربية -) ـ مراد ليمام
يتأسس برنامج مكون النصوص الشعرية بمادة اللغة العربية من سلك السنة الأولى و الثانية باكالوريا – شعبة الآداب و العلوم الٳنسانية – من نظام الوحدات المجزوءة٬ بوصفها رؤية جديدة تحقق و حدة المجزوءة بدل الدروس المفككة٬ فضلا عن استجابتها لحاجات المتعلم .
نتيجة لذلك ٬ و بالاتكاء على التوجيهات و البرامج التربوية المؤطرة ينبغي التقيد بمقومات القراءة المنهجية الخاصة بمكون درس النصوص الشعرية . ٳذ تسعى هذه المقاربة التدريسية ٳلى دراسة النص الأدبي دراسة علمية بهدف بناء و تطوير ملكات و قدرات المتعلم ٬ التي بواسطتها يبني المعارف الحدسية بالظواهر الأدبية و ينظمها داخل مقولات في شكل أحكام عامة .
لذلك ٬ على الأستاذ الالتزام بالمقاطع المفصلية الكبرى المشكلة لهيكل القراءة المنهجية .لكن و قبل الدخول في صلب المقاطع ٬ من المفروض العمل على تشخيص المكتسبات المتعلقة بالرصيد المعرفي الخاص بالمجزوءة قيد الدراسة .و يتحقق ذلك بتوجيه أسئلة قبلية و تشخيصية بغية استطلاع مدى فهم المعطيات السابقة .
و قصد ٳعداد المتعلم سيكولوجيا للانخراط في مسار التعلم ٬ يلتزم الأستاذ بالتمهيد للدرس متوسلا بأسئلة تشويقية و تحفيزية تثير انتباه المتعلم ٬ و تكسبه الألفة و الاستئناس الأوليين مع الوضعيات التي سينخرط فيها لبناء التعلمات.
بعد وعي المتعلم بمسار التعلم الذي سينخرط فيه ٬ يتم التركيز في مرحلة الملاحظة على المسح الشامل للفضاء النصي باعتماد ٳستراتيجة انتقائية لمجموع المعطيات التي تسيجه : الصورة – الكاتب – المصدر – العنوان – بداية النص ... ٳن القيام بهذه العملية يتوقف طبعا على المكتسبات القبلية للمتعلم ٬ و التي تؤهله ٳلى الٳدراك السريع لما سيحتاجونه في قراءتهم للمعطيات الخارجية .فعملية بناء المعنى خلال هذه المرحلة يتوقف على فعل التقاط المؤشرات النصية من جهة ٬ و على فعل الاستباق المتمثل في وضع فرضية حول النص الذي سيتم بناؤه من جهة أخرى .
إجراءات التقويم التكويني الخاصة بالمدرس ـ ذ. مراد ليمام
ٳن المراهنة على النوعية والجودة عند أي إصلاح تربوي يتوقف على الخيارات الإستراتيجية المتبناة للتقويم والمؤسسة للمقاربة البيداغوجية المراد تنزيلها لإطلاق سيرورة الإصلاح المنشود.
إن طرحنا لهذه المعطيات ، سيكون المدخل الرئيسي لاستكشاف الشروط العلمية للتقويم التكويني وفق مدخل المقاربة بالكفايات . حيث سنعتمد الإعداد المنهجي لجيرار سكالون ، الذي يقدم تصورا شاملا للطريقة التي يجب أن يتم بها التقويم التكويني من خلال رسم ٳجراءات التقويم التكويني الخاصة بالمدرس.
بناء عليه ، يرى سكالون أن التكوين من أجل التقويم ، في المقاربة بالكفايات ، يستلزم من المدرس الوعي بعدد من المعارف والمهارات التي تختلف عن تلك المذكورة في الكتابات الكلاسيكية . ومن ثم يفترض الباحث أنه على المدرس التمكن من المعارف والمهارات الأساسية المساعدة على تقويم الكفايات ، والتي تشتمل ضمنيا على المنهجية والطريقة العامة التي يمكن أن نتصور بها حاليا التقويم . ولعل المهارة الأساسية التي يفترض من المدرس التمكن منها هي قدرته على ترجمة ملفوظ الكفاية إلى مهمة معقدة أو وضعية مشكلة . "إن إظهار التحكم في الكفاية يتم انطلاقا من وضعيات مكافئة لها . وسنسمي هذه الأخيرة بوضعيات الكفاية (Des situations de Compétence) ، أي وضعيات مشكلة أو مهام معقدة تفرض على المتعلم تعبئة الموارد()" بطريقة ناجعة لإيجاد حلول مناسبة ، بتحويل واستثمار مكتسباته في سياقات مختلفة غير تلك التي ألفها شريطة أن يتم التركيز في المهام على إنتاجات ملموسة وذات دلالة بالنسبة للمتعلم .
أعطاب التقويم التكويني في التنظير المؤسسي بالمغرب لمادة اللغة العربية بسلك الثانوي التاهيلي ـ ذ.مراد ليمام
يحتل مفهوم التقويم التكويني موقعا مركزيا في الأبحاث والدراسات التي تندرج في مجال البحث البيداغوجي، لاسيما بعد النجاح الباهر الذي حققته العلوم الإنسانية في دراستها للإنسان. إذ كان لذلك أُثره البالغ في حقل الدراسات المرتبطة بتحديد مفهوم التقويم التكويني وموضوعه. وتبعا لذلك سيتم التعامل مع التقويم التكويني باعتبار قبوليته التحليل العلمي، المدخل الرئيسي في ظهور مقاربات بيداغوجية تدعي كونه موضوعها الأساس بامتياز، وأن لها تصوراتها الخاصة وإجراءاتها التي تسعفها في تقديم تصور متكامل له.
وبصدد قبول التقويم التكويني للتحليل العلمي، سنلاحظ السعي إلى قراءة وضعيات التكوين والتعلم وتحليلها بمفاهيم تستمد مقوماتها وأسسها دراسة وتحليلا من مجالات البحث البيداغوجي، حيث اختلف التعاطي مع التقويم التكويني ومع مستتبعاته بحسب الاتجاهات البيداغوجية.
الوضعية - المشكل في درس الفلسفة ـ العلوي رشيد
لا نكاد نجد تعريفا يناسب الاشتغال على الوضعية المشكلة في الفلسفة، بالنظر الى الصعوبات التي تعترض المشتغلين بديداكتيك الفلسفة فيما يتعلق بتوظيف بيداغوجيا الوضعية – المشكلة في درس الفلسفة. لذلك سنكتفي بالتعريف الاجرائي الذي جاء في مصوغات تكوين اساتذة الفلسفة سنة 2009 والصادر عن "الوحدة المركزية لتكوين الأطـر"، ونقرأ فيه: "تعتبر الوضعية-المشكل دعامة مشيدة لأغراض تعليمية بهدف تنمية كفاية معينة أو تقويمها. وتفترض بما هي وضعية، تفاعل ذات مع سياق ينخرط فيه المتعلم لأنه يعنيه بكيفية ما، كما تفترض بما هي مشكل، وجود عائق يخلق توترا معرفيا ويحث على التفكير والتأمل والوعي بالحاجة إلى تعلمات جديدة لمعالجة المشكل. لذلك فهي إطار للتفكير ومناسبة لبناء المفاهيم أو لاستثمارها في معالجة وضعيات جديدة"، وهو التعريف الذي يقترحه معظم المتخصصين في بيداغوجيا الوضعية المشكلة، وعلى الاخص فيليب ميريو Philippe Meirieu وجيرار دوفيتشي Gérard De Vecchi.
وفي محاولة لتعريف الوضعية المشكلة بما يخدم منطلقات واهداف درس الفلسفة نقرأ في مصوغات التكوين ما يلي: "تمثل الوضعية المشكلة لحظة بلوغ الفكر تناقضا أو تعارضا ينبغي حله حتى يمكن الاستمرار في التفكير على نحو يتجاوز ذلك التناقض. وهي وضعية نظرية تهم العلاقات بين الأفكار. والتناقض الذي يميز الوضعية المشكلة هو منطلق التفكير وليس نهاية له كما يبدو للوهلة الأولى. وهنا قد يكون المفهوم/التصور الأولي مجالا لبناء وضعية تتسم بالتناقض أو التعارض أو المفارقة، مما يحفز الفكر المتسائل ويفتح إمكانية صياغة أمثلة موجهة للتفكير ومشكلات تنخرط في سياق التفكير الفلسفي بمرجعياته وآلياته وضروراته المنهجية". وبناء عليه فبناء المفارقة في الفلسفة تمثل اللحظة الاساس في مسار انجاز الدرس، إلا أنه يتعين علينا ان نميز في هذا المستوى بين البناء الاشكالي والاشتغال على الوضعية المشكلة، ذلك أن هذه الاخيرة لا تحل محل البناء الاشكالي، وإنما هي وسيلة ووضعية انطلاق وتمهيد لبناء الاشكالية الفلسفية. وفي هذا الصدد نميز بين أنواع من الوضعيات المشكلة التي يمكن ان يوظفها المدرس في مختلف لحظات بناء الدرس. فإذا كانت مختلف المواد المدرسية الاخرى وعلى الأخص المواد العلمية تسعى الى بلوغ الحل كغاية خلال توظيف الوضعية المشكلة فإن درس الفلسفة لا يمكن ان يتمحور حول تلك الغاية بالنظر الى طابعه الاشكالي، وبالتالي سيكون المبتغى هو صياغة اشكالات جديدة وطرح وضعيات اشكالية جديدة تفتح افق تفكير التلميذ.