مقدمة:
عندما لا يكون التعليم مستقلا ذاتيا، له مركزية الإدارة والتدبير والتفكير، كفيلا بإدارة أزماته وحل معضلاته، وتقييم ذاته؛ يعود إليه - هو وحده - دون غيره حرية القرار وصلاحية الاختيار اعتمادا على مُقدراته البشرية والمادية لا تقوم له قائمة، ولا يستقيم له نهج !، بل يصبح - كما هو حاليا في بلدنا - رهين اللوبيات السياسية والاقتصادية والدينية والصراعات الإيديولوجية؛ تركب أزماته أو تفتعل عينات منها أنى كانت إشراقة انتخابية تعنو قريبا، أو نُشرت معطيات تحدد لنا موقعا متدنيا بين الدول، أو لما تنتشر بين الخاصة والعامة تقاريرُ نابعة عن تقييمات في الغالب انطباعيّة، فرديّة لا سندَ دراسيا علميا دقيقا لها؛ تنتقص من مردوديته، ونجاعته.
لمحة تاريخية سريعة، والبحث عن تعليم ملائم :
منذ قرابة 60 سنة ونحن نجتر عبَارة : (إصلاح التعليم) في حين لم يكن لنا البتة تعليمٌ مغربي متكامل قد تداعى لنرممه ! وإنما ورثنا عن مُستعمِرنا واحدا حَقنّاه بمقرر في اللغة العربية مُستورَدا هو الآخر من الشرق العربي وحمولتَه الديداكتكية، لا غير..إلى أن تحصّل لدينا واحد باجتهادات السيد بوكماخ يغطي أقسام الابتدائي (مقرر القراءة) رفقة مغامرين آخرين في الميدان وقد نجحنا إلى حد ما بدليل أن النخب السياسية والمثقفة والمفكرة والمسيرة للشؤون البلاد الاقتصادية والمالية حاليا هي حاصل تحصيله، وما اكتفينا، بل حسنّاه، فعربنا كلا من التاريخ والجغرافية والفلسفة إلا المواد العلمية، غير أنه في أواسط السبعينات بدأ التأفف من مردوديته و نجاعة مناهجه ولمّا يفكرْ أحدٌ من التربويين ليُشيع أن عشر سنوات ونيف غير كافية لتحديد فشل أو نجاح تجربة تعليمية ما، ولم يستشعر آخر بأن حالات التسرب والانقطاع الدراسي كانت بسبب الفقر المدقع المتفشي بين الأسر، إذِ انكفأ قدرٌ وافرٌ من الطلبة على الدراسة طلبا للعمل في الوظائف والخدمات الدنيا التي كانت البلد تفتقر إلى من يقوم بها؛ والأغرب لم يأخذ أحدٌ – عند أواخر سبعينية القرن الماضي - كمقياس نجاح: فوران الشُعبِ العلمية، خاصة العلوم التجريبة بالطلبة حتى صارت تسمى بالشعبة الشعبية. وذي هنّة لم يفطن لها المفكر المغربي المرحوم الدكتور عابد الجابري (رحمه الله) وهو يلقي أضواءه على مشكل التعليم في المغرب .