ليس من قبيل المصادفة أن واجه أهل مكة والعرب عموما رسالة رسول الإسلام محمد عليه الصلاة والسلام بأن قالوا له: "إنما أنت شاعر"، كما جاء في القرآن الكريم في سورة الطور: ﴿فَذَكِّرْ فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلَا مَجْنُونٍ (29) أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ (30) قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ(31)َ﴾ وهذا ليس حاصل سوء فهم واختلاط عند الذائقة العربية فقط ، بل وليس حتى كما فسره المفسرون من أهل الدين أو الأدب الذين يقولون باقتراب القرآن المعجز في بيانه من الشعر الفصيح في التصوير البلاغي وأحيانا في الإيقاع، إذ نجد بعض الآيات منضبطة لإيقاع بحر شعري ما، ليس كل هذا وحده السبب، مع أن هذا حاصل ومتفق عليه من جهة ولا نود دفعه. لكن هناك تقاربا بين الدين والشعر من نواحي أخرى، وأهمها "موضوع المقالة" التنبؤ بالمستقبل.
لعل من معاني الشعر حسب كل قواميس ومعاجم العربية العلم، والعلم يمتد عبر الزمن من الماضي إلى المستقبل، "ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة.... بوادي القرى إني إذن لسعيد." والعلم بالمستقبل في الدين واحد من أساسيات الاعتقاد، نعم إنه الإيمان بالغيب، وللشاعر أيضا إحساس مرهف يسمح له بتلمس ما سيحصل ولأنه لا يمكن في كل الأحوال أن ننفي عن الشعر عنصر الإلهام، هذا الذي يربط السماء (الفضاء الرحب، ملكوت الرموز زالأحلام) بالأرض (موطن الواقع والبؤس)، فإنه من المفروض التسليم للشاعر بإمكانية تنبؤ المستقبل رغم أن الشاعر قال:
الشعرية الأرسطية في كتاب (فن الشعر) ـ وردية الجاصة
ظهرت الشعرية في العصر الحديث كمصطلح عند رومان جاكبسون، الذي جعلها إحدى وظائف الاتصال الست، فـ"استهداف الرسالة بوصفها رسالة والتركيز على الرسالة لحسابها الخاص هو ما يطبع الوظيفة الشعرية للغة"[1]، لكن قصة الشعرية تعود إلى ما قبل الميلاد، إذ يعد كتاب أرسطو «فن الشعر» أقدم كتاب يذكر هذا المصطلح، وقد كان مرجعا أساسيا للنقاد الغربيين في تقعيدهم للشعرية.
الشعرية لغة هي تعريب للمصطلح الفرنسي poétique، الذي يرجع بدوره إلى الكلمة اللاتينية (peotica)، المشتقة من الكلمة الإغريقية (poiètikos) بمعنى كل ما هو مبتدع، مبتكر وخلاق، وكل ذلك مشتق من الفعل الإغريقي (poiein) بمعنى: فعل أو صنع « Faire » "[2]. وبهذا تتقاطع الدلالة اللغوية للشعرية مع الدلالة الاصطلاحية التي وصلت إليها في النقد المعاصر؛ فلم تعد الشعرية تقتصر على الشعر بل تجاوزته إلى النثر، و"اتسعت لتشمل فنونا إبداعية أخرى منها الفن التشكيلي والفن السينمائي"[3]، لتضم كل ما يتضمن إبداعا وخلقا. أما فيما يخص الترجمة، فقد تعددت المرادفات المقابلة لمصطلحpoétique ما بين: الشعرية، الشاعرية، الشعريات، فن الشعر، الشعرانية...[4] لكن الترجمة الرائجة عند معظم النقاد هي "الشعرية" رغم ما يثيره هذا المصطلح من تمويه خاصة بالنسبة للباحث المبتدئ؛ الذي يتوه أحيانا بين هذا المصطلح وبين اللفظة من حيث كونها مجرد نسبة لـ: الشعر.
حب وأبيسية وأشياء أخرى ـ ح. لشهب
ليس من السهل إعطاء رواية «بصمات»، للروائية الجزائرية المقتدرة ليلى بيران، الصادرة عن دار كوكب العلوم للنشر والتوزيع الجزائرية صيف 2016، حقها من الدراسة؛ نظرا للطبقات السيميائية المختلفة التي حاكت بخيوطها الروائية قصتها. فحتى وإن كان موضوع «أبيسية» المجتمع الجزائري، ومن خلاله المجتمع العربي والمسلم عموما، هو الخط الناظم للرواية، فإننا نجد موضوع «الحب»، يمشي يدا في يد مع الموضوع الأول. ولا يخلو هذا العمل السردي الجيد جدا من مواضيع اجتماعية ثانوية، تطرقت لها الكاتبة - ولو في عجالة في بعض المرات- بطريقة نقدية عميقة، سواء أتعلق الأمر بأمور تاريخية أو سياسية أو سلوكية.
تتداخل إذن هذه المواضيع وتتشابك، لتكون في الأخير عملا إبداعيا يستحق الاهتمام، خاصة وأنه مكتوب بطريقة فريدة من نوعها، تتمثل في غياب أية إثارة وأية لغة خشبية، بقدر ما تتميز بذهاب الروائية مباشرة إلى الموضوع الذي يهمها.
تطلق ليلى «الرصاص» من الباب الأمامي على العقلية الأبيسية، واصفة تجلياتها الصغيرة والكبيرة، ولا تلقي اللوم على الرجل فقط في شيوع هذه العقلية، بل لا تستثني المرأة، التي لم تقم بأي مجهود يُذكر للحد من «ديكتاتورية» الرجل، سواء أكان أخا أو أبا أوزوجا. كان على المرأة في نظر الساردة أن تلتجئ، ككولومبو مع سكان العالم الجديد، إلى الحيلة كأضعف إيمان، لجعل حد للأبيسية المجتمعية. فأنجع طريق لتحقيق حقوق المرأة، هو التجاؤها للحيلة والكيد وليس إلى «المواجهة» القانونية مع الرجل.
قراءة في المسرح ـ رشيد ابراهيمي
المسرح هو فن من الفنون الجميلة وهو ظاهرة إنسانية يقوم على تجسيد الحياة الإنسانية ومتغيراتها فهو يجعل من مشاكل الإنسان مواضيع له ، وفن المسرح هو فن للمفارقة لكونه يتقاطع مع مجموعة من الفنون الأخرى سواء ما يتعلق باللغة أو ما يتعلق بالفرجة ، وبعودتنا الى اللغة التي يقوم عليها المسرح نجد أنه نص والنص هو نوع من الإشتغال على اللغة ولأجل البحث عن خصوصية المسرح والتي يصطلح عليها بالتمسرح ،نجد بعض الباحثين من حاولوا البحث عن هذه الخصوصية انطلاقا من البعد اللساني للمسرح خصوصا منهم الأسلوبيين الذين اعتمدوا على الأسلوب اللغوي الذي كتب به النص والذي يعتمد على الأسلوب الدرامي ، وهناك من ربطه من الناحية الأجناسية بالرواية حيث نجد أن " أوبرسفيلد " تقول بأنه يمكن دراسة المسرح كما تدرس الرواية على اعتبار أن الرواية تتضمن نفس العناصر التي يحتويها النص المسرحي ؛ إلا أن ما يعاب على هذا الطرح هو كونه ينفي خصوصية النص المسرحي على اعتبار أن خصوصيته لا يمكن ربطها بأي جنس أدبي ٱخر . وهناك من يشتغل في المسرح على الحوار والذي تطرق له بالخصوص التداوليون حيث قامت أوبرسفيلد بالتمييز بين العناصر التلفظية أي الملفوظ وشروطه وأيضا على العناصر التخاطبية أي الخطاب القائم بين المتحاورين والتداولية التحاورية على اعتبار أن المسرح قائم أساسا على الحوار وبالتالي اعتبار هذا الأخير موضوعا من أجل دراسة النص المسرحي .
الكتابات النسائية المغربية بين التحدي والتردي ـ مالكة عسال
مدخل :ماهو الإبداع وماهي الكتابة كتعبير إبداعي ؟؟؟؟
الإبداع ظاهرة عامة كلية تنتشر في كل المجتمعات الإنسانية ،وعبر مختلف مراحل التطور الاجتماعي والثقافي ،وهو القدرة على التعامل بطريقة مريحة مع المشكلات الغامضة وغير المحددة ،أي تفكير غير تقليدي ،وغير مألوف ،يتجلى في المجال المسرحي ،والفني ،والسياسي ،والعلمي ،والكتابات الأدبية الذهنية كالشعر والقصة والرواية ،كنتاج للحالات الداخلية والمشاعر والأحاسيس ،وتعبير عن الاحتياجات والدوافع والتصورات، التي تعتمل في أذهان الأشخاص المبدعين ووجداناتهم، من الجنسين معا ذكورا وإناثا ،فالإبداع بمفهوم آخر هو قوة أو موهبة يبزغ لهيبها في أفق التجربة في أوضاع من القلق والمعاناة التي يعيشهما المبدع أو المبدعة ،ترتكز على تشابه المشاعر، والخبرة الفنية والجمالية ،وتشغيل المخيّلة، كعناصر مشتركة بين الجنسين،..والمقصود بالكتابة الإبداعية أو عملية الكتابة الإبداعية الذهنية ،تصور العمل الإبداعي كوحدة كلية قبل الشروع في إنجازه ،حيث تلتمع الفكرة أو التصور عن طريق الحدس ،فتتوقد البصيرة بشكل مفاجئ وسريع ،وعلى الكاتب أن يبذل كثيرا من الجهد / العمل الشاق /للقبض على التصور قبل التلاشي ،وتحقيقه وتجسيده على التو ،ثم تحسينه بمراجعته وتصحيحه ،وتهذيبه من الشوائب بالإضافة أو الحذف ، وإدخال عليه التعديلات المطلوبة كي يكون في كامل نضجه وجماليته ..
المنظمات النسوية المسلمة والدعاة المفسرون في بلدان جنوب الصحراء الكبرى ـ أ . د . عبد الجليل غزالة
فاتحة الموضوع
لَقَدْ شهدتْ بلدان جنوب الصحراء الأفريقية الكبرى خلال القرن المنصرم عدة تغيرات وتحولات لعل أبرزها تتمثل في نتائج مرحلة الحكم الاستعماري التي أيقظت حركات النضال والاستقلال ، فتعددت الجهود المبذولة لبناء دول المنطقة بعد هذه المرحلة المظلمة .
لِذَلِكَ ، فإن عدة دول أفريقية قد شهدت قلاقل كبرى نتيجة لحكم الحزب الواحد ، والانقلابات العسكرية، والإمبريالية الجديدة ، وحركات النضال من أجل الديموقراطية والتعددية . عالج المفسرون والمفكرون والعلماء والقادة السياسيون أسباب فشل المجتمعات الأفريقية مقارنة بالنمو السريع الذي شهدته عدة آفاق وأمصار في آسيا وأمريكا اللاتينية ، كما تعقبوا حركات النضال التي تطالب بالديموقراطية ، وحكم القانون وحقوق الإنسان ، واهتموا بقضايا المرأة المسلمة ، حيث بذلت جهود كثيرة لتمكينها من المساهمة الفعالة في بناء مجتمعها . وقد تم تجاوز الممارسات المجحفة التي كانت مهيمنة في ثمانينيات القرن الماضي ، إذ كان يتم تهميش المرأة المسلمة في دول جنوب الصحراء الكبرى التي مازال فيها تاريخ النساء المسلمات يشوبه كثير من الغموض والتعقيد ، وقلة التدوين ، وانعدام الموضوعية ، وحرية التعبير .
حَاوَلَ عدة مفسرين (( وضعيين )) positivists / تجريبين ودارسات في المجال النسوي تسليط الأضواء على الظروف التي تعيشها المرأة المسلمة في بلدان جنوب الصحراء الكبرى ، وتحدوا صعوبات الحصول على المعلومات والعينات الكافية ، وإنجاز الدراسات المتخصصة . نجدهم يقدمون بعض التقديرات الأولية من خلال نماذج محددة :
نحو رواية فلسطينية وقضايا ثقافية أخرى ـ نبيـل عـودة
من إشكاليات أدبنا الفلسطيني داخل إسرائيل، محدودية الجانر الروائي في إبداعنا المحلي. لا اعني بتعبير محدودية عدم وجود أعمال روائية أو غياب الجانر ألروائي إنما ما أعنيه ان الرواية في أدبنا الفلسطيني داخل إسرائيل لم تأخذ مكانها كلون أدبي له وزنه ومكانته، كما هي الحال في القصة القصيرة عامة والشعر على وجه التحديد.. وخاصة في التصدي للرواية الصهيونية!!
يمكن الإشارة إلى عدد من المحاولات الروائية الجيدة في إبداعنا المحلي … مع ذلك يبقى الفن الروائي بعيدا عن أن يشكل تيارا ثقافيا يمكن الإشارة إليه..وأعتقد ان غياب الرواية لا يعني أننا نفتقد لنصوص روائية، ولا أتحدث هنا عن قيمتها الفنية، وهي قيمة هامة، إنما أعني ان روايتنا لم تدخل بعد في المواجهة للرواية الصهيونية.
عالج الناقد الدكتور حبيب بولس (1948 – 2012) موضوع الجانر الروائي في ثقافتنا داخل إسرائيل، بمٌقالين متتابعين أولهما "لماذا لا نملك جانرا روائيا؟" والثاني "عود على قضية الكتابة الروائية".طبعا تناول المفهوم الأونيفرسالي للرواية، وهو مفهوم هام للغاية، جاء في مقال د. حبيب بولس “في رأيي أن الأسباب الرئيسية التي تقف عائقا أمام تطور هذا الجانر تنقسم إلى فئتين: أسباب عامّة، أعني بها الأسباب الخارجة عن إرادة المبدع وأخرى خاصّة نابعة عن المبدع نفسه. من الأسباب العامّة سببان هامّان هما طبيعة الظروف التي نعيشها أولا وقلّة المرجعية لهذا الجانر محليّا وفلسطينيا ثانيّا. أمّا السبب الرئيس الخاص فيعود إلى عدم قدرة المبدعين لدينا لغاية الآن الموازنة بين الخطابين: التاريخي/ الأيديولوجي/ الواقعي والخطاب الإبداعي/ الروائي/ التخيلي..”
الإلهام في الإبداع الشعري ـ محمد موزون
يعد مصطلح الإلهام من المصطلحات التي شاعت منذ القدم في ميراثنا البلاغي والنقدي للشعر، وهو سرّ من أسرار الكتابة الشعرية، ابتداء فإن البحث في المطلب اللغوي لهذا المفهوم نجده ينحدر من جذر "لَهُمَ" بمعنى: ابتلع مرة واحدة، وأوحي إليه، لقّنه إياه ووفقه له، ورجل لَهُوم رَغيب الرأي عظيم الكفاية، وبالتالي فهذا المصدر يدل على إلقاء في النفس أمر فيستجيب له، هكذا نخلص إلى أن الإلهام هو الإلقاء في النفس والرأي الراجح والكفاية عند الشخص، كما أن المصطلح له علاقة بعدة مصطلحات أهمها: الحدس، الموهبة، النفس الإنسانية، الصدفة الشعرية، التخييل، القلق المبدع، الطبع، الإبداع وغيرها من المفاهيم التي تدور حول فلك الشعر والإبداع عموما، فالشاعر مُلهم لأنه يرى ويُوهب ما ليس لغيره من الناس، ومن خصائص هذا المفهوم، ارتباطه بالشعور والأحاسيس وعدم القدرة على التحكم فيه، فهو قوة قاهرة تحلّ على الشاعر ويستجيب لها، وغالبا ما تأتي في لحظة الصفاء، أو أثناء الإلقاء على سرير النوم، أو موقف أزمة الناتجة من مصادر الحياة المختلفة، إن الإلهام يُغيب الشاعر عن ذاته لحظة ويحظر في فكرة يتعقبها للقبض عليها، وقد عجز الباحثون والمحللون كشف جوهر هذه الظاهرة رغم تطور أساليب البحث العلمي، خاصة مبحث علم النفس، لكون المفهوم يتجاوز حدود العقل والذاكرة، وكل ما هو مادي وواقعي، ومرتبط بعالم الحلم والغيبيات.