anfasse03106النصّ : هايكو مائيات – أحمد الشيخاوي ،المغرب
توسّد فخذها الشهي كي لا تمل
واغطس في غدير المقل تشفى
وتنصبّك سلطانا للعشق كل الدروب
*
رويدك رويدك يا امراة
القلب أضحى مملكة بائدة تنعيهاغربان الوشاية
حين أتلفت مفاتيحه
*

anfasse21094عتبات الموضوع :
    كيف يتجلَّى تعدد المعاني POLYSEMY من منظور علم الدلالة المعاصر بين طيات الإبداعات الأدبية المتنوعة التي يقدمها إلينا الشاعر البحريني المعاصر علي عبد الله خليفة في ديوانيه الاثنين ( حورية العاشق ) و ( لا يتشابه الشجر ) ؟ ما أهم مظاهر التناص الشعري  POETIC INTERTEXTUALITY  في هذين العملين ؟ ما نوع التساؤلات التي تثيرها الدراسة الإحصائية المعجمية التي تعالج المشترك اللفظي HOMONYM ، والترادف  SYNONYM ، والتضادCONTRARY  ، والتكرارREPETITION  ؟ كيف يمكن ربط تعدد المعاني الشعرية بالمستوى الصوتي الوظيفي PHONOLOGICAL ؟ ما طريقة عمل (( ذاكرة الشاعر )) عندما تروم إنتاج هذه المعاني المتعددة ؟ ما الخصائص التي تميز عملية الإبداع من خلال المقاربة اللسانية الخطابية المتعلقة بالديوانين المدروسين ؟ كيف تبرز مستويات التحليل اللساني المؤسسة لإنجازات الناظم ؟ ما علاقة عملية الإبداع بشعر الحداثة العربية وثقافته الخاصة ؟ ما السمات الخاصة بتعدد الأصوات ، والحوارات ، والنداءات ، والعناصر المكونة لهذين العملين ؟ ما الهدف من وراء هذه الدراسة اللسانية الدلالية الإحصائية المعجمية  LEXICAL STATIC ؟

  الشاعر والمتن المدروس :

       1  ) الشاعر  : يعدُّ علي عبد الله خليفة من أهم المبدعين المعاصرين الذين يجسدون بعمق وأصالة السمات المتعلقة بنسق القريض العربي في مملكة البحرين . تمتد تجربته لأكثر من ثلاثين عاما ظل يبث من خلالها إلى المتلقين العرب ( رسائل ) MESSAGES أدبية تعج  بالموضوعات THEMES، والقضايا المهمة ، والأحلام ، والمشاريع ، والتوقعات التي تتميز بثراء الخصائص الجمالية ، والفكرية ...
    إنَّ نفَسَ هذا الشاعر الشعري صوفيٌّ عميق ذو طابع أصيل ، وحسه جميل ، ولغته العربية شفافة تساير جل الأذواق والعقليات ... نجده يجتنب غموض بعض الدوال الشعرية العربية المعاصرة ليعانق البنى اللسانية المقدرة في قصائده ( 1 ) ، مما يستفز الحس الجمالي والتأويلي عند المتلقي العربي المتمرس .
 

anfasse11098يحكي محمد زفزاف في مقابلة صحفية أن التقييم الذي أذهله لتجربته الأدبية ما قاله صديقه الأستاذ عبد الله ساعف في حفل لتكريم الكاتب :"إن العولمة لن تقضي على كتابة محمد زفزاف وأن من يقرأ أعماله يتعرف على جميع شرائح المجتمع المغربي" .العبارة ذاتها هي مفتاح عالمه،وخلاصة مسار أنحاز إليها كقارئ يصر على الوقوف في منطقة وسط بين تقريظ الناشر وتجريح الناقد ! فالمنجز الروائي لأي كاتب قد يبدو منتهيا حين يفرغ الناقد من" الاشتغال"عليه،وتحديد خصائصه الأسلوبية و السردية،أو حين يكف الناشر عن إصدار طبعات لاحقة بعد تحقيق رقم مبيعات جيد،لكن القارئ وحده من يؤسس لامتداد جمالي لا يتوقف برحيل الكاتب.ذلك أن للعمل الأدبي كما يصفه تزفيتان تودوروف قطبان: الأول فني هو نص المؤلف ،و الثاني جمالي وهو التحقق الذي ينجزه القارئ.
عالم زفزاف السردي لم يكن واقعيا بمعنى نسخ الواقع ومباشرته كما هو،وإنما بغرض تجاوزه صوب ممكن اجتماعي أكثر رحابة وإنسانية وولاء للحرية و العدالة.إن هذا العالم ينبغي أن يُقرأ من زوايا متعددة،لأن المعالجة النقدية قد تفضي في أحيان كثيرة إلى تعميم يختزل التجربة المفعمة بالرؤى و التطلعات في تقييم بارد مطوق بالمعايير .نعم،كان زفزاف صوت العوالم السفلية الموسومة بالبؤس والقهر ،وقد أجاد استفزاز حراس الممشى بين الطبقة الأكثر استشعارا للدونية و التهميش في المجتمع المغربي،والأخرى المتعالية و المتلذذة بصور الحرمان ،إلا أن"تأرجح" القارئ بين محطتين بارزتين في مسيرة زفزاف هما (محاولة عيش) و (أفواه واسعة) يحيل على خطوات سردية لا تقدم العذاب الإنساني كقطعة فولكلورية، يمكن لأي برجوازي أن يتسلى بها في شرفته وهو يحتسي القهوة،بل تغوص في العمق مسائلة الوجود ذاته عن سر هذا التفاوت الذي لا يدكه إلا الموت ! 

anfasse11097يحضُرني وأنا أقرأ عشيقات النّذل لكمال الرّياحي الشّاعر ابن الرُّومي في شعره وخاصّة هجائيّاته والفقيه  جلال الدّين السّيوطي . وهو ما وسم النّص بحواريّة مُخصبة ذلك أنّ الحواريّة  " .. مُصطلحٌ لهُ مع الحوار جذرٌ مُشترك . وهو ما لم يعزب عن ذهن مُبدعه " ميخائيل باختين " حين وضعه للدّلالة على العناصر المُتباينة داخل الأثر الرّوائي . فوجُود هذه العناصر المشتركُ وتفاعل بعضها مع بعض حسب نظام بعينه ، من شأنهما إنشاءُ كيان فنّي واحدٍ هو الرّواية . وقد انتبه باختين لمفهوم الحواريّة عندما درس الرّواية باعتبارها ملافيظ لغويّة وأركان قصصيّة في الآن نفسه " [1] ولسائل أن يسأل ما الذي يجمع بين كاتب رواية معاصر من جيل السّبعينات وشاعر من شعراء القرن الثّالث للهجرة وفقيه ونحوي ومؤلف كتب التفاسير والفقه من أعلام القرن الثامن للهجرة  ؟  . 

ألا يبدو في الأمر الكثير من التمحّل والاعتساف ؟

 إلاّ أن المسألة لا ترتبط لا بالزّمن ولا بجنس الكتابة ولا باختلاف العصور والغايات . فالمُتأمل في سيرة ابن الرّومي يجدُها حافلة بالمواقف التي تكشف سلاطة اللّسان وقوّة الرّد أمّا أشعاره فإنّ الكثير منها لا يخلُو من  " فحش" واعتماد صريح على الجانب الجنسي الإيروسي وخاصّة في هجائياته لذلك تراءى لي وأنا أتصفحُ عشيقات النذل صورة   " النّذل " ابن الرُّومي وهو يفضحُ ويُعرّي منظُومة القيم الأخلاقيّة السّائدة ويُنكّل بسوط لسانه كُلَّ من لم يرُق له من أهل السّياسة والأدب .

anfasse11096أوليات الموضوع
     يختلف عطاء المساهمين العرب في إنتاج النصوص المتنوعة تبعا لاختلاف ثقافتهم : العمر ، نمط العيش ، النفسية ، السكن ، العمل ... إنهم يجتمعون من أجل الاتصال اللساني الشامل الذي يخدم حاجاتهم المختلفة ، وهو أمر ضروري لاستمرار الحياة ودوام الصراع من أجل البقاء ، لذلك فإن الخطابات العربية تتنوع من حيث سياقاتها وظروف إنتاجها وأجناسها ، إذ نجد في هذا الصدد عدة أنواع :
    1    _    الخطاب السياسي : يتم إنجازه بناء على دوافع ووظائف واضحة  تعتمد على التحالف لشيعة أو كتلة حزبية معينة تخدم برنامجا محددا . يوظف كل خطاب سياسي موضوعات ، ومنهجية خاصة ، ومفاهيم محددة تساير مصالحه ومقاصده .
    2    _    الخطاب الاقتصادي : يقوم على الدوال والمدلولات الضرورية التي تدفع المساهمين إلى إنتاج الموضوعات ، من خلال استراتيجية ومفاهيم متخصصة ، تكون جلية المعالم . يروج هذا الخطاب في مجال الزراعة والصناعة ، ودنيا المال ، والمضاربات والمراهنات ، وتسيير أمور الشركات المستثمرة ... 
     3   _     الخطاب التربوي : ينتشر في الوسط العائلي ، والمدرسي ، وداخل بعض المؤسسات ، والجمعيات التي تسعى لتكوين الجماعات والأفراد ، وتأطيرهم وتفعيلهم ، وتنميتهم البشرية ... 
  4     _     الخطاب الرياضي / الصحي  : يهدف إلى بناء أجسام وعقول سليمة تسعى للمنافسة والتفوق الشريف وتحطيم الأرقام القياسية ، كما أنه يروج ثقافة راقية تبني مجتمعا صحيا يكون معمرا  شاملا ، هادفا . يتم في هذا الصدد حصد الجوائز والرتب والمنح المتنوعة في نهاية كل منافسة ...

anfasse30091أوليات العمل
    كَيْفَ يتمُّ توظيف النكتة في الأدب الشفهي الأفريقي ؟ ماهي تقنيات سردها وعناصر تكوينها ؟ كيف ازدهرت موضوعاتها عبر تاريخ القارة السمراء ؟ هل يمكن التمييز بينها وبين بعض المصطلحات المشابهة كالنادرة ، والطرفة ، والملحة ، والدعابة أو المزحة  ؟  ما أهم نظريات التلقي المفسِّرة لأنماطها المعروفة عند الأكاديميين والباحثين ؟ ما أنواعها الرائجة في مجتمعات القارة ونماذجها المؤوَّلة حسب هذه النظريات  ؟ 
    النكتة في الأدب الشفهي الأفريقي
    إِنَّهَا تمثل نمطا من القصص ، أو المواقف والسياقات الشعبية المضحكة والقصيرة جدا ، أو الومضات السريعة بمختلف دوالِّها ومدلولاتها . قد يتمُّ تشكيلها أحيانا من خلال جملة واحدة أو قول سردي مقتضب ، لكنها مع ذلك تتأسس على تقنيات سردية خاصة ( بداية ، حبكة ، نهاية ) رغم شيوع بعض عمليات الاختزال والحذف لعدة تفاصيل اتفاقية  conventional تكون مألوفة بين طياتها.
   يَذْكُرُ الروائي والأكاديمي النيجيري المعروف ؛ إيزيدور أو كبييوهو  في كتابه ( الأدب الشفهي الأفريقي ) أن النكتة المحلية تكون مقتضبة جدا ، ولا تنجز بطريقة كافية أو يتم قياسها بإحكام وتأنٍّ ، لكنها ترسم بدقة الخصائص الجمالية والخيال المتنوع المشكل للعمل المسرود . يرى هذا الباحث أنها تحمل وظيفة عملية غير محدودة في الحياة اليومية الخاصة والعامة ، وهو ما يجعلها تضارع زيت سعف النخل المتوهج ، لأنها تنعش الحياة لتصبح مشعة وطريفة ، كما أنها تمنح حياة الإنسان الأفريقي طعما ومذاقا خاصا ، فهي مثل الملح  بالنسبة للطعام .
   تَرْتَكِزُ بعض النكت الأفريقية على سلسلة من الكلمات الناجزة ، إذ تشيع بين طيات مصادرها ومراجعها المتخصصة عدة نماذج ومتون يتم استهلالها بأفعال إنجازية  performative مصرَّفة في زمن المضارع ( يكتبُ ، يشاهدُ ، يصيحُ ، يقومُ ، يقاتلُ ، يراوغُ ، يتخلَّى ، يدبِّرُ، يواجهُ / يستسلمُ ...) لإثارة انتباه المتلقي ، وتسليته وإبهاجه ...
 

anfasse30082الشّخصية بمفهومها المعاصر كلمة حديثة الدّلالة تمازجت فيها مؤثرات من اللغات الغربيّة  مع جذور لكلمة عريقة في لغتنا الفصيحة، حيث تكاد تجمع معاجم اللّغة العربيّة قديمها وحديثها على معنى واحد تدور في فلكه كلّ دلالتها.
فقد جاء في اللسان: "الشّخص:  الإنسان وغيره، مذكّر. والجمع أشخاص وشخوص وشخاص... والشّخص سواد الإنسان وغيره تراه من بعيد  تقول: ثلاثة أشخص، وكلّ شيئ رأيتَ جسْمانَه فقد رأيتَ  شخصه... والشَخص كلّ جسم له ارتفاع وظهور، والمراد به إثبات الذّات فاستعير له لفظ الشّخص... قال أبو زيد: رجلٌ شخيص إذا كان سيّداٌ، وقيل: شخيص إذا كان ذا شخصٍ  وخَلْق عظيم بيّن الشّخاصة "  . ومايمكن أن نلمسه من دلالة الكلمة كما وردت في اللسان هو دورانها حول محور التجسيم والظّهور، غير أن هناك خيطًا رفيعًا يوحي بصلة الكلمة المعاصرة بمعناها القديم وهو انزياح الدّلالة إلى المعنى الاستعاري عند إرادة تصوير الذّات باستعارة لفظ الشّخص إلى الجسم الذي له ارتفاع وظهور وهذا ما وُظّف فيما بعد بالصّفات التي تميّز الشّخص عن غيره. فكأن هذه الصّفات برزت مرتفعة عن غيرها ظاهرة دون سواها فميّزت هذا الشّخص عن غيره ومن ثمّ اكتسبت حقّ النسبهَ إلى شخص (شخصيّة).

anfasse14086سُئل ذات مرة الشاعر محمود درويش، فأجاب بكل تلقائية، "نحن، حتى الآن، نحاول بكل الأشكال الشعرية الجديدة أن نقول سطراً واحداً للمتنبي. كيف؟ كل تجاربي الشعرية من أربع سنوات حتى اليوم (1982-1986)، كتبت حوالي المائة قصيدة، ثم انتبهت إلى أن المتنبي قال: (على قلق كأن الريح تحتي)"... !!؟  والشاعر، هو من يبني مجدا، ويترك خيرا، ويستظل تحت ظل كل الشعراء من جلجاميش حتى آخر يوم من سنوات عمره، فالموت حقيقة تُعلن نهاية سجال الحياة، والحب حُلم وغاية يلهث وراءه الإنسان، لأنّه بُرهان ودليل على البقاء والخلود، سواء علم بذلك أم لم يعلم، ومهما تطلب منه ذلك من تعب ومن صراع، يؤكد درويش ذلك بقوله "سنكتب من أجل ألّا نموت، سنكتب من أجل أحلامنا" ... !!

إذا أجاز القارئ معي، اعتبار الشعر، آلية معرفية وتنويرية، فكرية، إبداعية، خيالية (لا علاقة لها بالأوهام)، فنية، سامية في عُمقها، خالدة في قيمها، كونية إنسانية في أبعادها، فهي ليست وليدة عصر من العصور؛ كان من الأنوار و ما قبلها  أو من الحداثة وما بعد الحداثة،  بل هي قديمة قدم الإنسان، قِدَم  صراع  الأفكار، صراع النور والجهل، صراع التحكم والتحرر، صراع فرض الهيمنة ونضال المساواة، صراع الغنى والفقر، صراع القِنِّ والمُقَنِّن، صراع العبد والسيد، صراع الواقف والمنحني، صراع الآمر والمأمور، صراع القاهر والراكع،  صراع وصراع...  لكنه سجال وجودي وفكري طبعا، لحاملي الأفكار، التّواقين للإنعتاق والحرية حتما، الباحثين عن الحقيقة، وليس للواقفين والراكعين والجامدين مثل الأحجار الجُلمود في الوجود، أمام الممكن والموجود... !؟