إن ما خلفته الحضارات الغابرة من فنون مختلفة انطلاقا من الآنية الفخارية وصولا إلى الشواهد المعمارية التي مازالت تزامننا حتى الآن يمثل في جوهره حلقة من حلقات تطور الإنسانية منذ عصر المغارات وما قبله إلى يومنا هذا وقد وقع التدليل على هذه الفترات بمجموع اللقى المتناثرة هنا وهناك ثم جاءت النصوص بعد ذلك لتصف الإبداعات وتؤرخ لها وقد احتجنا العودة إلى هذه النصوص لما تمثله من ثقل معرفي ـ معلوماتي في غياب اللقى الأثرية أولا أما ثانيا فنحتاج النص المكتوب لكي نشكل تاريخ البشرية اجتماعا، صناعة فحضارة ومن ضمن هذه النصوص كتب التاريخ ، نصوص الملاحم والأساطير التي كتبت بالمحاولات الأولى للرسم والكتابة كالمسمارية التي خلفت لنا ملحمة جلجامش، الهيروغليفية المصرية المرسومة على جدران المعابد أو على ورق البردى وهاهو الشعر العربي إلى جانب جماليته وتدوينه لنمط حياة العرب خلف لنا نصوصا تعد وصفا دقيقا للمعالم الفنية القائمة من ذلك وصف التحف فخارية كانت أو زجاجية أوستائر قصور أو وصفا لخيام العرب الرحل أو خيام الأمراء.
فهذا أبو نواس يتفنن في وصف الخمرة والخمار والجارية ولكنه لا يبخل علينا بوصف الآنية التي يسقي فيها خمرته وما رسم عليها من صورالفوارس وخيولهم إذ يقول :
أغمام ما يدريك ما أفعالنـــا
والخيل تحت النقـع كالأشبــاح
تطفو وترسب في الدماء كأنها
صور الفوارس في كؤوس الراح
وسائل الإقناع الحجاجي بين المتكلم و المخاطب: نحو مكون سيكو بلاغي ( 1) ـ د. عبد الجليل غزالة
مقدمة
يَمْلِكُ المخاطب مثل جميع الناس عقلاً يكون مزوَّدًا بالمعتقدات الاتفاقية ، والمفاهيم ، والأفكار ، والتصورات التي تفرضها عليه تربيته ووراثته ، فيقبلها دون أي تعليق أو إبداء أي رأي يذكر . إنه يكتسب هذه الأمور السابقة بمحض الصدفة من أسرته ، ووسطه الاجتماعي ، وحزبه ، وزملائه ، وجيرانه ، مع العلم بأنه لم يسبقْ له أن دقق في هذا الموضوع أبدا .
لاَ يَجِبُ أن يوحي المتكلم لمخاطبه بأنه يشبه رجلا آليا لا يملك نسقا سيكو خطابيا psycho_duscursive خاصا ، لأنه سيغضب ويتدمر . يزعم هذا الشخص أن الآخرين هم مجرد دمى أو مجموعة من المتذبذبين الذين يتم حشو أدمغتهم بالمفاهيم ، والأفكار ، والتصورات المتضاربة ، مما يجعله يظن أنه الشخص الوحيد الذي يملك عقلا نيِّرًا ومتحررا من كل الأحكام السابقة . لذلك تجده يكثر من التصريحات الخاصة بهذا الموضوع ولا فائدة من معارضته .
بَيْدَ أنَّ دور المتكلم المُقْنِعٍ persuasive يكمن غالبا في تقويض أي حكم عبثي سابق لكن هذا الأمر لا يعد هينا ، لأنه ليس هناك شيء أكثر صلابة واستقرارا في عقل شخص معين من فكرة يصر باستمرار على صحتها ، ولا يرتاب أبدا في ضعفها. يمثل هذا الإصرار قسما مهما من قواعده العقلية .
الشّعر والسّحر، أو ميتافيزيقيا الشّعر ـ رشيد محرز
سنبحث في السّحر بدءا من المادّة المعجميّة ثمّ محموله الاصطلاحي حتّى نقف على أهمّ خصائصه ووظائفه، وذلك في إطار دائرة علائقيّة ركناها الأساسيّان النّبوّة والشّعر.
ولمّا كان أصل اهتمامنا هو الحداثة الرّومنطيقيّة، فإنّنا سنحاول تفسير انعطافة الخطاب الرّومنطيقي نحو الخطاب السّحري، وجدواها في مستوى الحضور في العالم وفي مستوى بناء الملفوظ الشّعري إن وُجدت.
لقد ورد في اللّسان« وأصل السّحر صرف الشّيء عن حقيقته إلى غيره فكأنّ السّاحر لمّا أرى الباطل في صورة الحقّ وخيّل الشّيء على غير حقيقته، قد سحر الشّيء عن وجهه أي صرفه»[1]، فالسّحر– من خلال هذا التّعريف المعجمي- قدرة على المناورة والمداورة وشذوذ عن نهج المباشرتيّة، وعليه تتجلّى إحدى أبرز سمات هذا الخطاب وهي سمة الإلماح والإيحاء في مقابل الإيضاح والإيصال. ويمتنع إذّاك عن تأدية الوظيفة الإبلاغيّة أو الإفهاميّة ليستحيل ناهضا بوظيفة تأثيريّة تنقل متلقّي فعل السّحر من حالة إلى أخرى، أو من وضع مكين إلى وضع طارئ فـ« نفوس السّحرة لها خاصّية التّأثير في الأكوان واستجلاب روحانيّة الكواكب، للتّصرّف فيها، والتّأثير بقوّة نفسانيّة أو شيطانيّة »[2]. فالخطاب السّحري ليس سليل عالم منظّم بمقاييس العقل ووفقا لإواليّات المنطق، وإنّما وليد عوالم سديميّة مدارها الانفعالات والأهواء والنّوازع المكتومة عرفا، وتلك السّديميّة الأنطولوجيّة سيقع إخراجها إشاريّا (مشهديّا) بكيفيّة لا تضمن التّواصل الإشاري، ولغويّا على أساس إرباك العلاقات العموديّة والأفقيّة القائمة على التّواطؤ وإحلال منتوج لغوي شاذّ في تركيبة دوالّه، غامض في ناتجه المدلولي، وبتعبيرة أخرى« يصحب هذا العمل كلام مفهوم وغير مفهوم ورسومات وإشارات لتسخير الأرواح، وإنّ ما يفعله مفهوم عند جنوده، وهم الجنّ والشّياطين »[3] فعلى على غرار النّبيّ الّذي يتقدّم عارفا بالغيب، محدّثا بأسراره، بإيعاز من قوى علويّة، يتبدّى السّاحر منتهكا للمحظور بسند من أعوان ماورائيّة تجسّر له اجتراح المعجزات، وإتيان الفعل الخارق. ولعلّ ذلك هو السّبب في إدراج كلّ من الفعل السّحري والنّبوي تحت عنوان الأسراريّة، إذ أنّ « العلوم الخفيّة التّقليديّة هي السّحر magie، القبالة kabbale، التّنجيم astrologie، الخيمياء، العلوم التّنبؤيّة »[4].
الدرس النقدي بين التحليل والتحويل ـ عبد النبي غزال
يواصل مختبر السرديات بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بنمسيك بالدار البيضاء فعله الثقافي الجاد لتعميق النقاش حول الإبداع والنقد العربيين. إذ نظم بتنسيق مع مختبر اللغة العربية وتحليل الخطاب بكلية الآداب والعلوم الإنسانية ببني ملال، ونادي القلم المغربي لقاءً نقديا حول التجربة النقدية للناقد المغربي عبد الرحمان غانمي من خلال مؤلفه النقدي " الخطاب الروائي العربي :مقاربة سوسيو– لسانية"، الصادر مؤخرا عن الهيأة العامة المصرية للكتاب بالقاهرة ،ضمن سلسلة «كتابات نقدية» في مجلدين كبيرين،(كل مجلد يشتمل على 500 صفحة). وذلك يوم الجمعة 18 مارس 2015 ابتداءً من الساعة التاسعة والنصف صباحا بقاعة الندوات عبد الواحد خيري، بنفس الكلية. والتي غصت بجمهور من الطلبة الباحثين في مسلك الإجازة وفي مسلك الماستر، بالطلبة وبمسلك الدكتوراه وباحثين من آداب عين الشق والمحمدية ومن جامعة محمد الخامس بالرباط وعبد الملك السعدي بتطوان. إضافة إلى ثلة من الأساتذة الجامعيين والمبدعين والنقاد من جامعات أخرى.
تقنيات السرد النسوي في الأدب الإماراتي المعاصر ـ د. عبد الجليل غزالة
مقدمة :
تتنوع تقنيات السرد النسوي ( اللغة ، الموضوعات ، الشخصيات ، الفضاء الزمكاني ، سمات الساردة ، رؤية الكاتبة ...) عند المبدعات المعاصرات في دولة الإمارات تبعا لتنوع أجناس الأعمال الفكرية التي يمارسن الكتابة فيها ( الرواية ، القصة ، الشعر ، الأسطورة ، الحكاية ، المقالة ، المسرح ...) . إنهن يوظفن خصائص جمالية ، وفكرية ، وتداولية pragmatics متفاوتة لإبراز قدراتهن الإبداعية .
مراحل وسمات السرديات النسوية في الإمارات :
راجت تقنيات السرد النسوي المتنوع الأنماط في الإمارات إبان ثمانينيات القرن المنصرم ، حيث تدرجت عبر مراحل متعاقبة على مستوى الموضوعات والسمات الخاصة :
1 _ تقنيات سرد الصحراء والماء .
2 _ تقنيات سرد المدينة المعاصرة والحداثة .
3 _ تقنيات سرد الذات الفردية والهوية الإماراتية .
4 _ تقنيات سرد الموضوعات التاريخية والتراثية والاجتماعية والواقعية .
5 _ تقنيات سرد الصراعات والتحديات ومثاقفة الآخر .
لقد سعت هذه التقنيات السردية إلى معالجة قضايا المجتمع المحلي ، والظلم ، والتسلط ، والبحث عن الآخر ، وبوح الذات والجسد عند المرأة ، ومواجهة الرجل ، وهو ما جعلها تشكل خطابا فكريا نسويا متميزا استفاد كثيرا من تقنيات السرد الغربي التي اشتهرت في مرحلة الحداثة وما بعد الحداثة ، مثلما نجد عند لاكان ودريدا وغيرهما .
تتميز تقنيات السرد النسوي المعاصر في الإمارات بسيطرة السمات التالية :
القصة القصيرة المغربية من النشأة إلى التفرد حتى بصمة المؤنث ـ د. عبد النور ادريس
مقدمة:
عندما تبني القصة القصيرة عالمها المعتمد على الأحداث الإنسانية وهي متباينة في عيشها وتصرفاتها الحياتية، تجعل من المجتمع موضوعا للتشريح والفهم، وذلك بالتعرض لشريحة أو موقف من الحياة، وهذا الإعتماد يرتكز على الإيحاء ويفتح التأويل على مصراعيه في اتجاه عالم الصور التي يبرزها القاص والقاصة، مبينا قسماتها من خلال الحكي. ولعل الإنتظام السردي الذي يؤطر الأحداث والشخصيات وتفاعلهما هو ما يؤكده العمل الإبداعي القصصي الذي يمتاز بنقل المتلقي المحايد إلى متلقي متورط بالمنطق الذي تحياه القصة، وتجعله مستسلما لصدق التفاعل الذي يحدث بين الشخصيات والحوادث على مستوى المتخيل، وإمكانية حدوث مثل هذه التفاعلات في الحياة الواقعية، وذلك باعتماد القاص(ة) على مبدأ الإختيار في رسم الصورة الحية لشخصياته النابضة بالحياة، وبذلك تكون القصة القصيرة صياغة معرفية لأسئلة كبيرة ضمن المستحيل الممكن، وتقدم الأسئلة ذاتها كإجابة عن هذه التساؤلات.
إن القصة النسائية وما تحتويه من خصائص مميزة، تترك أثرا في وجدان المتلقي والمتلقية بما يحتوي امتيازها على التطرق لحقول خصّها النسق الثقافي بالايجابية والعقلانية والخلق الفني بما هي من صميم تجربة الذكور، فتمكنت القصة النسائية من تفجير الواقع وترتيبه من جديد، فأصبح رافدا لاغنى عنه للتخييل والحلم وتفكيك المقولات والمفاهيم النقدية التقليدية التي تنحاز لجنس الذكر ومعرفة الكيفية التي تهمَّش بها المرأة ثقافيا على أساس الاختلاف البيولوجي.
نحو سيميائيات المسرح الخليجي المعاصر ـ أ . د . عبد الجليل غزالة
أوليات الموضوع :
تُوَظِّفُ فئةٌ قليلة من الكتَّاب ، والمخرجين ، والنقاد ، والباحثين الأكاديميين ، والمفكرين الراسخين في العلم داخل بلدان الخليج العربي مصطلحات ، وتصورات ، ومعجمات نقدية جديدة تتعلق بمجالات السرد المسرحي ، سيميائيات السرد المسرحي ، نحو النص المسرحي ، لسانيات النص المسرحي ... أما فئة كبيرة منهم فتوظف مفاهيم ، ومصطلحات ، وطرائق النقد الانطباعي المستهلك ، الذي أصبح لا يصلح لمباهاة الأمم الأخرى ، و(( تصدير )) منهجية تداولية pragmatic ، أو استشرا ف (( نظرية )) نقدية ، عربية ، ملتزمة تكون رائدة في هذا المجال .
تَرْتكزُ المعجماتُ lexicons النَّقدية الجديدة ، التي توظفها الفئة القليلة المذكورة على مسلَّمات ، وأطر نظرية وعملية راجت في بعض البلدان الغربية منذ سبعينيات القرن المنصرم.
تُسَاهِمُ هذِه المجالاتُ النقدية الجديدة في إثراء التجربة المسرحية الخليجية المعاصرة ، وتوسع نطاق الفهم بالنسبة لآليات اشتغال النصوص الدرامية ، كما أنها تطور الممارسة العلمية ، الهادفة ، وتعالج تراثا ثقافيا هائلا ، وهو ما يؤدى إلى تنوع الإنجازات الدرامية في المنطقة .
مَازالتْ كَمِيَّةٌ من هذه الأعمال المسرحية انطباعية ، ويسيرة ، أو متناثرة ، ومختصرة جدا، رغم دورها العلمي والتربوي الفعال بالنسبة للمُشاهد العربي . إنها تمثل إنجازات فكرية مهمة ، تعتمد على أسس ابستمولوجية ، تساهم في تقديم تصور معين عن العالم ، والإنسان في منطقة الخليج العربي ، كما أنها تحدد بشكل واضح قضايا المجتمع المحلي ، وهو ما يساعد المُشاهد على إدراك إنتاجها النظري والعملي ، ومعرفة زيف بعض الأيديولوجيات المتحذلقة ، أو المتشدقة ، والمترفة ...
يُحَقِّقُ اِسْتغْلالُ سيميائيات المسرح الخليجي المعاصر مردودا متميزا ، يساير سياقات النصوص ، ويربط بين الجانب المجرد ، والجانب المتحقق بالنسبة لهذه المنهجيات . تنبع هذه السِّيميائيات من نظريَّة درامية متَّسقة ، لكنها قد لا تضبط أحيانا وبشكل علمي دقيق بعض المظاهر الأساسية ، التي تساهم في بناء العمل الدرامي الخليجي :
1 _ نَحوُ النَّصِّ المسرحي theatrical text grammar المُطَّرِد ، الذي يجب إتباعه ، والاحتكام إليه عند حدوث أي تعارض .
2 _ صِياغةُ الهدفِ بشكل محدد ، وتحديد العلاقات بين النص المكتوب ، وطريقة تمثيله على الخشبة .
3 _ تَعْميمُ اْلمفاهيمِ والمبادئ الموظفة ، وتمحيصها .
4 _ كَيْفيةُ التَّعاملِ مع المنهجيات غير التاريخية .
5 _ تَجاوزُ تحديداتِ المدرسة البنيوية في هذا المجال .
6 _ تَعميقُ البُنى التركيبية ، والدلالية على مستوى النص ، والتداول .
تَطْرَحُ هذِه السِّيميائياتُ مشكلة علاقات الترابط ، والخضوع الموجودة بين النَّص ، وطريقة تمثيله على الخشبة . إنها تركز على الهدف المتحقق من وراء العمل أثناء تعقُّبها لمختلف الرموز ، والوحدات ، والروابط الدرامية بغية تحديد المعنى المراد من خلال النص المكتوب ، وتمثيله أمام المشاهد الحاضر.
تَهْدِفُ سيميائياتُ المسرح الخليجي إلى ضبط :
أ _ أنواعِ وأبعادِ العلامات الموظَّفة في النص .
ب _ دورِ العناصرِ المُساهمة في تشكيل المعنى الدرامي .
ت _ نتائجِ عمليةِ الاتِّصال الدرامي ( الوحدات والطبقات التركيبية ، القيم الدلالية بمعانيها اللغوية ، والأدبية ، والمشهدية ، والتداولية ، العلاقات بين النص والمساهمين في بنائه ، الأنظمة الثقافية : الدين ، العلوم ، الفنون ... ) .
ث _ علاقةِ الإبداعِ المسرحي بعملية التلقي ، والجمهور .
ج _ المواقعِ والرُّتب المختلفة بين الوحدات ، والطبقات الدرامية .
ح _ الفضاءِ والزمن .
خ _ ثنائيةِ : النصُّ / العرضُ .
تُعَالِجُ سيميائياتُ المسرحِ أحيانا مستويات التحليل اللساني كالتركيب والدلالة ، والتداول pragmatic ، وبعض المخططات التي نجدها عند الكاتب البولندي اللامع kowzan T. ، حيث تتم دراسة العلامات المسيطرة على النص المسرحي . نجد أيضا دراسات أخرى تتعلق بوظائف الشخصيات ، وحواراتها المتنوعة .
يَقُومُ المسرحُ الخليجيُّ المعاصر على أعمال أدبية مكتوبة ، تنجز قصد التمثيل أمام جمهور يشاهدها بكل تأثيراتها ، ومقاصدها ، وهو ما يشكل ظاهرة مشهدية متميزة . تخلق هذه الأعمال الدرامية علاقات متنوعة بين النصوص المكتوبة ، وطرائق عرضها على الخشبة . إنها تتميز بطرائق التعبير الواضحة ، وتوزيع المادة ، ووحدات البناء ، ووسائل خلق المعاني ، والبعد السيميائي ، وتنسيق الحوارات المباشرة ، المتكررة ( حوار أيقوني ، حوار أسطوري ، حوار مونولوجي ) ، وعناصر الخطاب ، الحواشي المونولوجية للكاتب ...
تَتَشَكَّلُ هذِه الأعمالُ من خلال أ فعال وحركات الشخصيات الحية ، وحواراتها المرتبطة بحيز زمكاني فعلي ، يكون حاضرا ماديا وأنثروبولوجيا .
يُرَكِّزُ الكُتَّابُ المسرحيون في دول الخليج العربي على الهدف ، الذي يرسمونه سلفا لأعمالهم ، إذ يحددون الفضاءات الزمكانية ، والشخصيات بكل أفعالها وحركاتها المباشرة ، كما أنهم يشيدون البناء التصوري لعملية التلقي والفرجة بكل تقاليدها ، وعناصرها المعروفة . يمنح هؤلاء الكتاب الشخصيات حرية الكلام ، والحوار أمام الجمهور الحاضر ، وهو ما يجسد عملية اتصال بارزة بين الطرفين .
يَنْطَلِقُ كلُّ عملٍ مسرحي من خلال عملية اتصال تتطور أثناء العرض ، الذي يتحد جوهريا مع الخطاب الدرامي ، وهو ما يربط بشكل فني مفتوح بين الكاتب ، والمخرج ، والجمهور . يرتبط هذا العمل بطريقة تكوينه ، وصيغته ، ومعانيه ، وخصائصه الاتصالية ، ودوره الاجتماعي .
تحميل بقية المقال
الزمكان الاسطوري في رواية عين الفرس للميلودي شغموم ـ عبد الحكيم جابري
رغم ما عرفته الدراسات السردية من تطور ملحوظ في العقود الأخيرة من الدراسة والتمحيص فكل اهتم من جانبه بها ،إلا أنه تم إغفال - إلى حد ما - مكونين أساسيين من مكونات أي خطاب سردي ،والإغفال هنا لا نقصد به الإقصاء التام، وإنما التهميش على حساب عناصر سردية أخرى كالشخصيات والأحداث ،فقد تم تهميش عنصري الزمان والمكان بشكل كبير .
ولا نتوخى من دراستنا هذه الفصل بينهما ،وإنما الدمج إن صح التعبير، ومن ثمة اخترنا على غرار ما ذهب إليه ميخائيل باختين مصطلح الزمكان الذي يقول عنه :"ما يحدث في الزمكان الفني الأدبي، هو انصهار علاقات المكان والزمان في كل واحد مدرك ومشخص. الزمان هنا يتكثف ،يتراص ،يصبح شيئا فنيا مرئيا ،والمكان أيضا يتكثف..."(1). ولنحدد مجال الدراسة أكثر،سنربط هذا المصطلح بمصطلح آخرهو الأسطورة ،فالأسطورة هي أيضا خطاب سردي غير محددة الزمان أو المكان، أو لربما قد يحددا لكن بزمان ومكان متغيرين ، ومن ثمة يتحول الزمان والمكان فيهما إلى عنصرين رمزيين لا أكثر.
وتعتبر رواية عين الفرس للكاتب المغربي الميلودي شغموم،فضاء خصبا لاشتغال الزمكان الأسطوري، فهي رواية مليئة بكل ما هو أسطوري ،وبالتالي أمكننا إدخالها في خانة الروايات الفانطاستيكية .صدرت عين الفرس عن دار النشر الأمان عام 1988، قسمها الكاتب إلى قسمين رئيسين، عنون الأول ب"رأس الحكاية"،والثاني ب"الذيل والتكملة" وقسم كل واحد منهما إلى ثلاثة فصول ،عنون كل فصل بحرف عند جمعها تكون كلمة (عين) الفصل الأول (ع) الفصل الثاني (ي) الفصل الثالث (ن) .