anfasee19116ينطلق هذا البحث من فرض منهجي أساس، مؤداه أن التراث الفكري والثقافي العربي خضع لنسق ثقافي مضمر، تولى صياغة الرأي وتوجيه الموقف من المرأة. وقد تمثلت أبرز الغايات التي وجهت البحث في الكشف عن مظاهر تحيز الثقافة العربية ضد المرأة، وتحديد الآليات التي اعتمدها النسق التراثي من أجل تبرير وتسويغ النظرة المحافظة والمنتقصة من المرأة جسدا وخطابا. لذلك فإن البحث يستمد أهميته من كونه يشكل مدخلا ملائما لتركيب جهاز قرائي يمكن من وضع  اليد على منظومة الأفكار والقيم والتصورات التي تحكمت في نحت وصياغة صورة المرأة كما جرى ترسيخها في المخيال الجماعي العام   ومن هنا يمكن إدراج هذا البحث ضمن الجهود الفكرية الرامية إلى مقاربة "نص الثقافة"، وليس نصوص الأفراد فحسب، بغرض الكشف عن الأنساق الفكرية والمرجعيات الثقافية التي وجهت الحضارة العربية إلى اجتراح آفاق نظرية ومعرفية بعينها، وهو أمر لن يتحقق إلا بالحوار المباشر مع النصوص والخطابات التي مثلت الأس المعرفي الذي انبنت عليه أنظمة الثقافة  والفكر في السياق العربي. ومن أجل ذلك، يغدو من الضروري الربط بين "النصوص وبين الوقائع الوجودية للحياة البشرية؛ فالوقائع المتعلقة بالقوة والسلطة، والمتعلقة أيضا بضروب المقاومة التي يبديها الرجال والنساء والحركات الاجتماعية والسلطات التقليدية هي الوقائع التي تجعل من النصوص أمرا ممكنا، وهي التي تطرحها لقراء تلك النصوص"[1].
انطلاقا من هذا التصور للخطاب، باعتباره حاملا لمضمون معرفي أيديولوجي سنفحص "كتاب النساء" (الكتاب العاشر من "عيون الأخبار")، قاصدين من ذلك إلى وضع اليد على ملامح المرأة العربية كما تصورها ابن قتيبة الفقيه السني المحافظ، وجسدها في نسيج نصي متلاحم، تحكمت في صوغ مبادئه وتشكيل مقاصده مرجعيات فكرية ثقافية وموجهات معرفية أيديولوجية.
المرأة والفتنة: سيمياء الجسد الأنثوي     

Anfasse12114على سبيل البدء
ان الاثار الابداعية الخالدة هي التي تملك مقدرة خارقة على اختراق معالم الحاضر الانساني في بعدها السطحي وبناء أفق جمالي ممتد تتبدى معه أحوال التأسي، وتتغير من خلالها فيزيونوميا النصوص السابقة المقبلة على قراءة النص على حد تعبير "رولان بارت" (1)، وتنكشف الواجهة العاكسة لتفاصيل اللحظة الضاربة في الماضي والمتغلغلة في  تخوم المستقبل.
ابداعية الابداع اذن تتلقفها أنامل المبدع بما تغدقه من حيوات تحكمها هواجس الكتابة، المرتع الذي يستوعب جزئيات الكينونة المبدعة قبل أن تنظمها الذات القارئة والقادرة على لملمة دقائق المنثور  من خلال طقسها الاعتيادي يضمنه التماهي اللامحدود و المفتوح أمام سحر الأثر الابداعي ...
انفتاح الابداع وامتداد أفقه الجمالي تضمنه سحرية الأدب باعتبارها طقسا احتفاليا يؤثثه حضور المبدع من خلال الاستلهام وتخليد النص واسبال الستار عن الاستثنائي  فيه باحترافية تخلقها الدهشة(2) الناجمة عن زحزحة الانتظارات القبلية والتي يخلقها المبدع من خلال النص في نفسية القارئ، عبر تخييب أفق(3) توقع هذا الأخير  الذي يتلقفها بشراهة تدفعه نحو التماهي مع تقلبات نبض هذه الاثار الخالدة وميزاجياتها المتلونة.

azizammaiتضعنا رواية "الزغاريد "للكاتب والروائي عزيز أمعي في مواجهة مباشرة لسؤال العلاقة بين التاريخ وبين الرواية من جهة ، ومن جهة أخرى بين الرواية وبين فضائها المرجعي المهيمن / المدينة  .
        فعلى مستوى علاقتها بالتاريخ ،نجد أن الرواية تستوحي مادتها الخام من حركية المجتمع وما يتخللها من علاقات معقدة وتحولات عديدة عبر مساحة زمكانية رحيبة .إلا أن الرواية لا تصوغ هذه المادة وفق مشترطات التوثيق التاريخي المحكوم بالموضوعية والحياد والعقلانية والصرامة العلمية ..الرواية تتعمد انتهاك هذا الميثاق عبر إفساح المجال أمام التخييل والوجدان والحلم واللعب طبقا للقولة المعدلة التالية"أعذب الحكي أكذبه ". بل إن الرواية قد تتمادى في غيها الفني ،فتتطاول على المحميات الأخلاقية والسلطوية التي تدعي امتلاك الحقيقة المطلقة من خلال جرأتها المزعجة - أحيانا- في التشويش على ميكانيزمات الضبط الفوقي والاشتباك مع أنماط التواطؤ الاجتماعي المنبثقة من تكريس قيم الوصولية والنفاق وشرعنة الفساد وتمجيد الرذيلة ومحاربة فضيلة الخير المركوزة في قعر النفس الإنسانية. الرواية – بهذا المعنى- إذا كانت مشبعة بالجسارة البناءة يمكنها أن تتجاوز التاريخ  بفضل مكرها التخييلي الذي يتيح لها إمكانات أوفر في التقاط الذبذبات الاجتماعية المنفلتة من أجهزة الرقابة الرسمية ،واستغوارالمناطق المعتمة من المسكوت عنه في جغرافية النفس البشرية .الرواية  لعبة جمالية ملغومة لا تؤتمن .لهذا لا غرابة أن نجد كاتبا مرموقا من عيار باسترناك يقرر رفض جائزة نوبل التي منحت له مقابل رواية واحدة خطيرة "الدكتور زيفاكو".فقد وجد باسترناك نفسه في موقف عصيب بروايته هاته :إما أن يقبل الجائزة إرضاءا للغرب المتلهف إلى كل ما يشوه ويدين الثورة البلشفية ،وإما أن يرفضها تفاديا لشظايا غضب حراس الثورة الذين يعتبرون أن كل إدانة للثورة ولو في قالب أدبي خيانة عظمى..فقرر رفض الجائزة غصبا عنه.. ولعل هذه الميزة الإبداعية الثاوية بين ثنايا الكتابة الروائية ،خصوصا، هي ما يدفع كثيرا من المؤرخين المحدثين إلى الاسترفاد بالنصوص الروائية الأصيلة والرفيعة من أجل ملء الثقوب والفراغات التي تخلفها احتراسات المؤرخ من مزالق التوثيق التاريخي أواحترازاته من كل ما من شأنه أن يوتر العلاقة بينه وبين  السلطة الحاكمة بمختلف مستوياتها وآليات اشتغالها.

anfasse16105   تبدو الكاتبة البيلاروسية سفتلانا ألكيسفيتش منشرحة وعلامات الرضى تبدو عليها بابتسامة عريضة وهي تحمل باقة ورد بألوان حمراء وبيضاء. كم هو جميل أن يأتيك خبر الفوز بجائزة عالمية من حجم جائزة نوبل للأداب 2015 . فور تلقيها الخبر عقدت ندوة صحفية بمنسيك بأكرانيا صرحت من خلالها ” أحترم العالم الروسي في الآداب والعلوم ولا أحترم العالم الروسي لكل من ستالين وبوتين ” ؟ فمن تكون هذه الكاتبة ؟
صحفية وكاتبة أعادت بلغة روسية، تمتح من الواقع الروسي والكوارث الدرامية جزءاً كبيراً من هموم وقضايا ساكنة الاتحاد السوفياتي السابق، كما هي معاناة السكان في كارثة تشرنوبيل  والحرب الافغانية و صراعات الحاضر المريرة ضد الاستبداد والقهر والبؤس.
كاتبة وجهت سهام نقدها للحكومة البيلاروسية لزعيم روسيا بوتين وتم منحها الجائزة ” لأصواتها المتعددة، وهي شواهد من الألم والشجاعة في وقتنا الحالي ” كما أعلن القائمون على جائزة نوبل للأداب.
 

anfasse16101الزهور:
"يرفُّ جناحا النحلةِ
ألطفَ داخلَ
شذا الوردةِ"(1)
 تاكي نامي اكيرا – شاعر ياباني
يبدأ فصل الزهور في (كتاب الشاي) بمقطوعة نثريَّة في رثاء الزهور، إنَّ الزهرة – كما يرى الكاتب – كائن يجري إعدامه بسبب جماله، حادثة موت زهرة تبدو مروِّعة لأنـَّها تتمُّ باسم المتعة، لا شيء سيمنع العالم من التضحية بالزهور، لكن يمكن أن نجعل طريقة موتها أقلَّ وحشيَّة، يمكن على أقلِّ تقدير الحفاظ على جسد الزهرة تحقيقًا لمبدأ: تقدير كلِّ ما هو (طبيعي وغير منسَّق) على نحوٍ يجسِّد (التصاق الإنسان بالطبيعة) كما يقرِّر المبدأ الجمالي في مذهب الزنِّ(2).
الزهور المجلوبة لتزيين حجرة الشاي اليابانية يجب أن تمثــِّل مبدأ الانسجام والالتحام التامِّ مع الطبيعة؛ فالزهرة هي ممثـِّلة الطبيعة في الحجرة، فعليها إذن أن تحافظ على هذا التمثيل، وأن تكرِّس مفهومي النقاء والبساطة: لا يجب أن تُهذَّب كثيرًا كي لا تغدو شيئًا مصنوعًا، أو منظَّمًا، أليس هذا هو ما نهرب منه إلى الطبيعة؟ ألسنا نبتغي شيئًا من الوحشيَّة، والبدائيَّة، والتمدُّد الحرِّ الذي نفتقده في المنظَّم والمصقول، والمحدَّد في حياتنا؟ وتبلغ العناية درجة تحسُّس مشاعر الزهرة، لا تـُحبَّذ التضحية بجسد الزهرة، بصقل الساق المبالغ فيه، كما لا يُحبَّذ ازدحام المكان بالزهور إلى درجة تـُفتقد معها ميزة الفردانيَّّة التي تمنح الزهرة نصيبها المستحق من التأمُّل، وملاحظة "الجمال الكامل للحياة النباتية"(3).

anfasse091011يرى أنسي الحاج أن الشاعر "يحلم بتكوين بشرية جديدة لا بكتابة شيء جديد فقط. الكتابة ـ عند أنسي ـ هي الجسد الجديد".
"عندما قرأت أشعار رامبو سمعت النداء في أعماق البحر"، موضوع نشرته جريدة الغارديان The Guardian بملحق "الكتاب الذي غيّر حياتي" A book that changed me، وهو للشاعر البريطاني جورج سيرتش George Szirtes (الهنغاري المنبت 1948)، حيث يتحدث فيه عن تأثير الشاعر رامبو في حياته، الأمر الذي يبرز أهمية "الكتاب" كمنعرج في حياة البشر، حيث الكاتب لا يكتب فقط، بل إنه يغير الحياة بنفس الوقت. الكاتب يبني الواقع عبر فتح الحياة من قوقعتها التأزمية نحو فضاءات وآفاق للتحرر. وأهم نقطة يقف عندها الموضوع هي فترة المراهقة حيث بداية طريق النضج عند البشر، يتم غالبا رسمها انطلاقا من تأثير كاتب أو كتاب في حياة الشخص يصطدم به خلال هذه الفترة، حيث ينير له الطريق الغامض والمجهول؛ وحتى بالنسبة لمن لم يتأثروا بكتاب نتيجة لامبالاة أو قلة اهتمام بالأدب، فإنهم غالبا يتأثرون بأشخاص الذين بدورهم تأثروا بكتاب أو كاتب ما. إن الكتابة هي ما يُوجد الحياة بشكلها التاريخي الإنساني، حيث الحياة تجلي للكتابة وتمظهر لها، يكتب الكاتب واقعا، أو يهرب من الواقع نحو الكتابة ـ كما في حالة كافكا ـ حيث تمثل الكتابة طريقة للتكيف مع الحياة، من منظور دارويني. ففي الكتابة خلق وحياة، أو بديل يصبح بدوره حياة.

anfasse09105حين انتقلنا من حيِّنا الشعبي إلى أوَّل فيلا أسكنها في حياتي لم ترتح أمِّي – رحمها الله – إلى مسألة تتعلَّق بتفصيل صغير في تنظيم الأثاث، تفصيل لم يكن ليلفتني، أو يثير تنبُّهي في حداثة سنـِّي وأنا المأخوذة – آنذاك – بالسكن الجديد، والغرف المتعدِّدة، والساحات الواسعة، لم تطمئن أمـِّي إلى اتجاه سرر النوم في الغرف؛ كان لديها هذا التصوُّر: أنَّ من تصرَّف في توزيعها يجهل – حتمًا – أنَّ جانبًا روحيًّا يجب أن يتدخـَّل في التنظيم بحيث يجعل رؤوسها متجهة إلى القبلة. إنَّ البيوت يجب أن تبنى على معرفة بالروح، وإنَّ المادة في أقصى درجات صلابتها يجب أن تكون مرقــَّقة باستفاضة المعنى فيها: يجب أن يشكِّلها، ويمنحها اتجاهها، ولونها، وطريقة استعمالها، هذه هي الدرجة من نضج الروح الذي أكاد أن أصل إليه بعد كلِّ هذه المسافة من تلك الحادثة.
إنَّ اشتغالات الروح ينبغي لها أن تمحض نفسها الوجود خارج الروح، ولذلك نحن نمنح ما نؤمن به، ما يطرأ على بالنا، ما يبهجنا، ما يقلقنا، أو يوجعنا – نمنح هذا كلَّه – وجودًا آخر: نحبُّ أنَّ نمثـِّله على نحوٍ ما: فنتصرَّف، أو نصدر إشارات، أو نكتب، أو ننحت، أو نرتـِّب، ووفق هذا يحدث المسار: أن يعود الممثـِّل لهذه الاشتغالات الروحيَّة كي يكون هو الدالَّ عليها بعد أن كانت هي موجدته، وهكذا تتشكَّل الهويَّة الخاصَّة بنا، وهكذا تبدو هويَّات الآخرين بالنسبة إلينا.

anfasse02113 – سؤال العلاقة وهوية التواصل:
إن السؤال الذي يطرح حول العلاقة القائمة بين نسقين تعبيريين تواصليين مختلفين، الأول يعتمد على لغة الكلمات في عملية تحققه في حين أن الثاني يعتمد على لغة الصورة في كليتها مؤازرة في ذات الآن بلغة الصوت الملفوظ، يطرح أكثر من إجابة، خصوصا في مجتمع عالمي جديد، يعرف نفسه بأنه يمثل حضارة جديدة هي "حضارة الصورة" على اعتبار أن المجتمعات السابقة عليه، كانت تمثل حضارات الكلمات في تنوعها واختلافها، وإذا نحن علمنا أن الصورة توازي أو تفوق، كما يقول المثل، ألف كلمة، أدركنا أهمية هذا التمييز واستطعنا أن نلمس بعض دلالاته المتسترة. لكنا ونحن نسعى لتحديد نوعية هذه العلاقة القائمة بين الكلمات والصور، فإننا نرفض ضمنيا أن تسقط في إقامة تراتبية كيفما كان نوعها، تأثيرية أو تواصلية أو حتى فنية، بين هذه الأنساق الثقافية. فإذا كانت تقنيات الصورة تمثل بدون أدنى شك، واحدة من أهم نقاط استيعاب التخييل المجتمعي المعاصر ومنحه آفاقه الكبرى، فإن هذا لا يمكن أن ينسينا بأن عملية الاستيعاب هاته تتم في زخم ثقافي شامل يساهم في تكوينه أيضا وبنفس العمق عناصر ثقافية أخرى في مقدمتها الأدب بجميع أجناسه والفن التشكيلي بشتى مدارسه والمسرح بمختلف تجلياته،وبنفس المنطق أيضا، فإن دراسة العلاقة بين الكلمات والصور، لا يعني أبدا تفضيل الكلمات، على اعتبار أن الصور تظل دائما ناقصة.