ـ كيف يشتغل مبدأ الورود في سيرورة إنتاج وتلقي المثل الشعبي؟
وهل يقوم هذا المبدأ على توفر المعرفة المشتركة فقط أم أن له شروطا أخرى؟ وما طبيعة هذه الشروط؟
ـ وهل تعزى السمة الحجاجية في المثل الشعبي إلى صيغه اللغوية المنطقية أم إلى دقة انسجامه مع سياق التخاطب؟ وما دور الإيقاع في ذلك كله؟
لا يمكن للمتحدث عن الأمثال الشعبية إلا أن يجد نفسه في صلب معضلة العلاقة بين اللغة والفكر، وهي مصب مباحث جمة كالمعرفة والثقافة والحجاج والمنطق والنظم والبيان وبعض العلوم الحية كعلم الأعصاب والذكاء الاصطناعي والبرمجة وعلم الأنظمة الخبيرة وغيرها. وليس لم شعث هذه المستويات بالمطلب المتاح للباحث الفرد في مقال أو كتاب لذلك فقد استقر الاختيار المنهجي في هذه المداخلة على معالجة حجاجية الورود في المثل الشعبي المغربي في صيغة تحليلية للأنساق المحورية الثلاثة التي يحيل عليها العنوان وهي الورود والحجاج وخطاطة التلقي.
أولا: الورود في المثل الشعبي من المبدأ إلى النسق:
دور القارئ في النقد الأدبي الألماني المعاصر ـ أرنولد روث ـ ترجمة: عبد العالي مريني
قال بول فاليري Paul Valéry ذات مرة : « إن قصائدي تأخذ المعنى الذي يعطى لها».
إن هذه الجملة المشهورة تتضمن إحدى البديهيات الرئيسية لنظرية جديدة جعلت العلاقة بين النص والقارئ موضوعا لها، وعرفت باسم "Rezeptionsasthetik" التي أجيز لنفسي ترجمتها مؤقتا بـ"جمالية التلقي" Esthétique de la réception".وعلى الرغم [مما قاله] هذا السلف المشهور وغيره في اللغة الفرنسية، ومن بينهم "جان بول سارتر" Jean - Paul sartre و" أرتور نزن" Arthur Nisin، فإن هذه النظرية الجديدة -حسب علمي- تظل بعيدة عن أن تجد في فرنسا نفس الصدى الذي وجدته في ألمانيا الغربية التي ارتقت فيها جمالية التلقي إلى مستوى مدرسة إن لم نقل موضة -الموضة ذاتها التي غزت جمهورية ألمانيا الديموقراطية (RDA) منذ 1973.
ومن بين الاستثناءات التي تؤكد [هذه] القاعدة، يجب أن نذكر العمل الجيد لـ"بروست " J. Proust حول "قراءات ديدرو" "Lectures de Diderot"، إلا أن هذه الفجوة بالنسبة إلى أحد زملائي، [وهو] "فولفغانغ لينر" Wolfgang leiner، تبدو كبيرة جدا لدرجة أنه اقترح أن يقدم في هذا الموضوع مجلة جديدة باللغة الفرنسية تحت عنوان " أعمال وانتقادات" Œuvres et critiques الصادرة عن منشورات "جان ميشال بلاس" Jean -Michel Place . فمن جهة، إن هذه النظرية توجد باستمرار في وضعية مؤقتة، ومن جهة أخرى، خاصة بسبب هذه الوضعية المؤقتة، فقد أدت إلى اتخاذ العديد من المواقف. ولهذا لا يمكنني إلا إعطاء نقطة بداية لمناقشة لاحقة. وللسبب ذاته لن أذكر إلا بعض الأسماء محيلا القارئ إلى البقية في البيبلوغرافيا المختصرة المرفقة [بهذا المقال][2]. [هكذا] فبعد أن أوجز الحديث عن الوضعية السابقة للنقد الأدبي في ألمانيا، سأقوم بجولة في أفق جمالية التلقي وذلك من منظور نظري وتطبيقي، وبعدها سأذكر بعض الأصوات النقدية التي تندرج ضمن جمالية التلقي، لأنتهي إلى بعض الملاحظات المتعلقة بالمستقبل المحتمل لهذه النظرية.
نيرودا: الطفل الحزين الذي أصبح " أميرا للشعراء" ـ عبدالله الساورة
في كتاب المؤرخ ماريوأموريس ” نيرودا، أمير الشعراء” ( 619 صفحة/ نونبر 2015) يعيد رسم وجود الطفل بابلو نيرودا الذي حصل على جائزة نوبل للأداب.
نيرودا : الطفل الخجول والتعس
الطفل الخجول ذو الأجواءالتعسة والحزينة، اسمه الحقيقي ريكاردو إليسير نفتالي باوسالتو، المسمى بابلو نيرودا. شاعر ذو انتاج غزير، تطرق إلى مختلف المجالات الموضوعاتية، بشكل خصب وكل ما تعلق بحولها. تحول إلى واحد من الكتاب / المفاتيح خلال القرن 20، الذي تجاوز حضوره الأدبي ، و تحول إلى أمل اجتماعي وسياسي بالنسبة للشيلي وأمريكا اللاثنية، على الرغم من أنه ربما تجاوز شعبيته بفضل أبياته في الحب التي لم تترك لتوحيد الأزواج ، وأصبحت ملجأ ضد العاشقين في قصائده ” عشرون قصيدة حب وأغنية بائسة”( 1924). في هذا الكتاب الجديد والمليء بالكثير من الحقائق والمفاجآت، يعيد المؤرخ رسم مسار الطفل الذي ولد في 12 يوليوز 1904، وعن سبعين قصيدة التي كتبها في دفتره، والتي اجتازت نصف العالم حتى نالت في دجنبر ( 1971) وسافرت إلى ستوكهولم لنيل جائزة نوبل للأداب، اعترافا بأعمال مثل : ”إقامة في الأرض ”، ”اسبانيا في الأرض ” ، ” بكاء عام ” ، ” أيات الكابتان ” ، ” العنب والرياح ” ، ” نصب تذكاري للجزيرة السوداء ” ...
سيميوطيقا الفعل الروائي ـ رواية "الحي اللاتيني" لسهيل إدريس نموذجا ـ محمد الساهل
مقدمة
إن الاشتغال اللساني على المدونة الروائية بما هو حفر لغوي في بنى النص السردي قد تسلل إلى النظرية الروائية، فالعمل الروائي في حقبة ما بعد الثورة اللسانية والكشوفات اللغوية يوصف بأنه جملة طويلة بما هي متوالية من الأفعال (actes (les، ويتمشهد الفعل الروائي داخل المتون السردية في صورة إنجاز تلفظي آنة، وفي صورة إنجاز حركي آنة أخرى، ويتضمن الفعل الروائي قوتين إنجازيتين؛ إحداهما حرفية بما هي تشكيل دلالي معلن ومقول معنوي حقيقي، والأخرى مقامية بما هي تشكيل دلالي مضمر ومقول معنوي مجازي. وما على العقل القرائي في عبوره من المعلن الروائي إلى المضمر الحكائي وانتقاله من الحقيقة السردية إلى المجاز الحكائي إلا أن يغرف من مشربيات سيميائية ومرجعيات لسانية لاستكناه ما يرشح به الصوغ الروائي من تمثلات اجتماعية ورموز حضارية ودفقات شعورية، وما ينضح به المصنوع السردي من مقول اللاَّمقول ومن مكتوب اللامكتوب لأن المنتوج الروائي في تحققه الحديث ينكتب بمعجم لغوي رمزي وإيحائي راسما علائق دلالية جديدة بين الموجودات، كما ينبني بتركيب لغوي ناقص وغير تام منزاحا عن التقليد الجملي والمعهود التركيبي. إن العقل الروائي، في اجتراحه لهذا السبيل التعبيري منتقلا بالفعل السردي من رواية ناطقة بكل شيء إلى رواية كانزة لكل شيء، يؤسس لفعل قرائي جديد سمته الإنتاجية والتوليدية، فالعقل القرائي يتحول إلى مستكشف لجغرافيا النص السردي وفاتح لعوالمه الحكائية وحفار عن كنوزه الدلالية، في حين أن المنتوج الروائي يتحول إلى أرض كانزة للأسرار الدلالية وعالم غاو ينضح ببياضات مستفزة وفجوات جذابة وتراكيب مدهشة. وما فتح المتن الروائي وكشفه إلا مغامرة قرائية تستلزم من الفاتح أن يشحذ أدواته ويدقق خطواته لأن المعنى الروائي لم يعد ملقى على هوامش النص السردي يلتقطه العامة والخاصة على السواء، بل أضحى هذا المعنى غنيمة متمنعة يتناسل في قوالب مجازية وتشكيلات استعارية وبنيات رمزية لأن العقل الروائي ينطلق في إنتاجه السردي بما هو بناء دلالي وتشكيل رمزي من مبدأ يحفظ للعقل القرائي حقه في الفهم والتأول وينتقل به من متقبل سلبي وقارئ مستهلك للمادة الروائية إلى متقبل إيجابي وقارئ يعيد إنتاج المادة الروائية في تشكيلات جديدة، وهذا المبدأ يختزل في أن الوضوح الروائي عقاب قرائي والغموض الروائي حق قرائي لما يكتنزه من لذة فنية ومتعة أدبية.
جون شتاينبيك وخبرة الحب ـ حمودة إسماعيلي
عندما يعترف لك ابنك الفتيّ، بأنه ضائع بحب فتاة، بأنه يستشعر الحب، ويطلب مساعدتك أو دعمك بما أنك والده وأقرب الناس إليه خبرة بأمور الحياة. طبعا في التزامك نحو الحب، لن تخون رؤيتك ـ أنت نفسك ـ لماهية الحب، والتصرف نحوه انطلاقا من ذاتك بنفس الموقف، وليس كناصح أو موجهّ. حديثك عن الحب يختطفك للعب الدور كل مرة ـ حتى عند النصح ـ للعب دور العاشق أنت نفسك، تتجدد عاشقا كلما تطرقت لأمور الحب. ذلك ما حصل ما جون شتاينبيك، الروائي الأمريكي (1902ـ1968) الحاصل على جائزة نوبل للآداب سنة 1962، ساعيا لتقديم جواب شاف لما يختلج بأعماق طفله ـ فمهما كبر الإبن يظل صغيرا بعين أمه ووالده ـ غير أن شتاينبيك هنا يرفع إبنه لمقام الصديق والنّد، طالما أنهما يتحدثان حول شعور يتجاوز معادلة الفوارق العمرية. أنت لا تحب في سن معين، أنت تحب طالما تحيا. كلمات شتاينبيك لابنه توم ـ تقول عنها الكاتبة ماريا بوبوفا : "يجب أن تظل محفورة بقلب وعقل كل إنسان، متنفسةً وجوده".
التحليل التداولي وبناء المعنى من خلال كتاب نتائج الفكر ل"أبي القاسم السهيلي" ـ مصطفى انكزدم
تقديم
لقد كان "أبو بكر السهيلي" ( نحوي أندلسي ت 581هـ) على صلة بالآراء والمجهودات النحوية التي قدمها النحاة المشارقة، غير أن اتصاله بها لم يستقر على مدرسة نحوية بعينها، بل حاول أن يستمد منها ما يتلاءم ويتوافق مع طبيعة تفكيره وتصوره النحوي، مضيفا إلى ذلك ما بلغته اجتهاداته فيما أبداه من آراء، وما قدمه من أفكار شكلت في بعض الأحيان ردا على ما قدمه النحاة من قبله، وتطعيما لمباحث الدرس النحوي.
ويؤكد بعض الدارسين أن "أبا القاسم السهيلي" (ت 581هـ) كان ذا فكر علمي، ونظر نحوي خول له بث تصورات تنم عن سعة معرفته وصفاء قريحته ودقة منهجه، يقول "أبو جعفر النحاس": "كان السهيلي واسع المعرفة غزير العلم نحويا متقدما لغويا عالما بالتفسير وصناعة الحديث... عارفا بعلم الكلام وأصول الفقه... ذكيا نبيها صاحب اختراعات واستنباطات مستغربة"[1].
ولعل هذا الانفتاح على ضروب مختلفة من العلوم ساهم في بناء فكر "السهيلي" وشحذ نظره النحوي فيما يعرضه من فصول ومسائل، إذ يحاول إمعان النظر في دقائقها، وتدقيق البحث في تفاصيلها، محاولا استدراك ما غفل عنه المتقدمون، وإظهار ضعف ما توهمه بعض المستقرئين، داعيا في ذلك إلى استنباط الأسرار الكامنة وراء الصريح من العبارة، والبحث عما خفي واستكان في مضمرها، يقول: "إذا كانت صناعة الإعراب مرقاة إلى علوم الكتاب، لا يتولج فيها إلا من أبوابه، ولا يتوصل إلى اقتطاف زهراتها إلا بأسبابه، فواجب على الشادين البحث عن أسرارها وتعليلها"[2].
القراءة، القارئ والتلقي ـ اسماعيلي عبد الحفيظ
تشكل علاقة النص بصاحبه واحدة من أهم الطروحات النقدية الحديثة التي ظلت مهيمنة لردح من الزمن، لتكرس معها وترسخ في الأذهان ما عرف "بسلطة المؤلف". وقد فرض هذا التوجه اهتماما متزايدا بالنص الأدبي انطلاقا من حياة مبدعه وما يرتبط بها من أحداث اجتماعية وتاريخية وثقافية ونفسية. وبهذا فإن أي محاولة كانت تستهدف اقتحام عمل أدبي ما لا يمكن أن يتأتى لها النجاح إلا عندما تأخذ بعين الاعتبار العوامل السالفة الذكر.
بعد هذا أطلت البنيوية كحقل جديد في تاريخ الدراسات الأدبية، فحاولت الحد من "فيتيشية" الكاتب والدعوة إلى التحليل المحايث للنص، والوقوف عند بنائه الداخلي بغض النظر عن العوامل الخارجية؛ فكانت هذه الدعوة إيذانا بتلاشي سلطة المؤلف وتكريس سلطة أخرى هي سلطة النص إن صح التعبير.
وقد برزت ملامح هذا التوجه الجديد بصفة خاصة، عند رولان بارت Rolan Barthes، الذي أعلن "موت المؤلف"، هذا الإعلان الذي جاء متضمنا عند حديثه عن الكتابة يقول: "الكتابة قضاء على كل صوت، وعلى كل أصل، الكتابة هي هذا الحياد، هذا التأليف واللف الذي تتيه فيه ذاتيتنا الفاعلة، إنها السواد، البياض الذي تضيع فيه كل هوية ابتداء من هوية الجسد الذي يكتب"[1].
الذكرى 45 لرحيل الكاتب الياباني يوكيو مِيشِيما : الأدب والانتحار ـ عبدالله الساورة
تحل الذكرى 45 لرحيل الكاتب العالمي والياباني يوكيو ميشيما 25 نونبر 2015 ، وسط سؤال مُحير لم أقدم على الإنتحار وهو في عز الشهرة والمجد؟ ووسط سؤال أكبر عن علاقة الأدب بالانتحار؟!!
يقال من أجل أن تكون كاتباً خلاقاً ومبدعاً.. وجب أن تكون حزيناً وتجر معك سلاسل الحزن التي لاتنتهي، ومستقبلاً أسوداً وأن تُفرج عن كراهية الناس من خلال مسام الكتابة أو ببساطة أن تكون مدمناً وتجعل من ادمانك حالة من النزول والصعود مثل الأضواء المبهرة في ملهى ليلي.
يقال هذا.. وفي بعض الحالات إنه أمر أكيد..لأن مجموعة من الكتاب أقدموا على الانتحار بطرق مختلفة .. بعدما وصفوا كل ما يجول بخواطرهم فيما عاشوه وكتبوه، ولم يجدوا معنى من الانتقال إلى القبر.