anfasse04093"طفلي الذي لن يعود" ترنيمة لغوية عابثة تؤجج سؤال المصير عبر ثنائية الخفاء والتجلي  تشكيلة فنية تسامرالوجع عبر افق التلميح ،   فالقارئ يقف مشدوها امام سلسلة من الاحداث التي تتوارى خلف رمزية رصينة واحالات مرنة ترصع ثنايا القصة ، فهي ترسم عالما  يقترب بملامحه الغير مالوفة الى بوح ذهني مستتر خلف اقنعة الرمز . انشطار الذات الكاتبة بين البوح والفلاش باك دعم موقفها الفني وساهم في سبك جدار المعنى فنجد الدلالات تتضافر لتشكل عالم النص القائم على الوصف المتحرك للمكان حيث تحول هذا الاخير الى موتيف فني ساهم في بلورة الاحداث من خلال لعبة المكاشفة ،فقد تأنسن المكان واصبح دالا في حد ذاته يحمل الكثير من التصورات وفي ارجاءه يحمل صيغة الماضي الذي لم ينته صيغة الماضي المفتوح على الزمن الحاضر .
والمكان في هذه القصة جاء مجردا  من ملامحه فلا شي يدل عليه ولاشي يوضحه ،فقط هو تصوير مكثف لاحداث لها علاقة بالغرفة ،هذه الغرفة التي تأزمت بها الكاتبة فأطلقت العنان لذكرياتها ،ارتجاج شعوري نلمحه بكل وضوح ساهم في في رسم الصورة الحاضرة الغائبة  لمعاناة كاتب حكم على ابداعه –على طفله – بالاعدام .

anfasse26084تقديم:
عندما يَتَلَوَّنُ الشِّعر بلون الواقع وقضاياه، فإن الشاعر ينخرط بكل حواسِّه ونبضاته في ذاك الواقع لينقله لنا ويجُسَّ نبضه بكل تفاصيله ووقائعه بكل صدقٍ.ولمَّا كان الشِّعر تعبيرا عن الوجدان والعاطفة أيضاً،فإن المبدع بصفة عامة والشاعر على وجه الخصوص يُمْسك يراعه بكل صدقٍ لينقل لنا تموجات هذا العالم وهذا الواقع بكل تلاوينه وتجلياته، بكل شموعه المُضيئة، وبكل سوداويته وقتامته.
إن جدائل الشَّمس1، ديوان شعر للشاعر المغربي "عبد القادر زرويل"2 المنحدر من مدينة جرادة المغربية في الشرق المغربي، الذي استفزه الواقع بكل ألوانه وأطيافه، فكان الشعر أداته للتعبير والانخراط في هذا الواقع.
يَفْتَتِحُ الشاعر ديوانه الشعري بالتَّساؤل عن ضوءِ القمر الذي غَيَّبَهُ المُتَلاعِبُون بالكلمات، والذين ما فتئوا يطبِّلون ويُزَغْرِدُون ويَعِدُون الكادِحين بالصَّبر،هم – بطبيعة الحال- يبيعُونَهم الوهم والسَّراب.

anfasse21086تتوزع أحداث رواية الكاتبة الإيطالية فرانشيسكا بِللينو "على قرن وحيد القرن"، الصادرة عن دار نشر "لازينو دورو" بروما 2015، بين القيروان وروما. حيث تستعيد الكاتبة وقائع الثورة التونسية وأبعادها العميقة عبر نسيج حكائي مثقل بعبق التاريخ وتوهج الحاضر المنبعث من ربوع القيروان. كما يتخلل الرواية غوص في غور الشخصية التونسية لتقصّي الحوافز الحقيقية التي قادت إلى تلك الهبة العاتية التي لفتت أنظار العالم.
تنطلق الرواية بحديث عن حيثيات العلاقة التي ربطت مريم التونسية المهاجرة بماريا الإيطالية، صداقة عميقة تمتنت عراها منذ أن تقاسمتا "الماء والملح" كما تقول الكاتبة، ومنذ أن آواهما سقف واحد في أحياء روما الشعبية، واكتشفت كل منهما عالم الأخرى. فمريم تختزل أحلام كثيرين ممن هاجروا إلى الغرب بحثا عن غد أفضل، واصطدموا بواقع أخرس، تتقاذفهم فيه رياح الحياة يمنة ويسرة. ولكن مريم التي هجرت وكْرها في القيروان، بقيَ حيّا نابضا في داخلها يلازمها كظلها، لذلك تبدو أحيانا في روما ولكن الروح في ربوع القيروان. رحلت مريم من تونس صوب روما يدفعها حبّ جارف، بعد أن بلغت القلوب الحناجر في بلد انسدّت فيه الآفاق بفعل استشراء الفساد الاجتماعي. فتنغمس في أوروبا بحثا عن خلاص لا يأتي، تصطدم بواقع فجّ، رغم توهمها أنها حققت خلاصها عبر الجنس والشغل والتنورة القصيرة، فتقفل راجعة إلى أرض القيروان حيث يتوفاها الأجل. ما كانت لمريم الأدوات الكافية لفهم الغرب سوى ذكائها الفطري، أدركت إدراك اليقين أن السراب الذي تعلقت به حين هاجرت لم تجده شيئا، "كباسط كفّيه إلى الماء ليبلغ فاه وما هو ببالغه"، ذلك هو الغرب الذي ينشد الغافلون الخلاص فيه، قد بات مشغولا بهمومه، ولا يعنيه كثيرا شأن الآخرين.

anfasse21083تمهيد
تمثّل مسألة وحدات الخطاب و العلاقات بينها من أبرز المسائل الخلافيّة التي لا تخلو منها دراسة أو بحث ما في مجال لسانيات الخطاب أو النصّ . و إذا ما تجاوزنا قضيّة المُكوّن الخطابي أو النصّي و ما أثارته هي الأخرى من ســـــــجال و تقاطعات بين من يرى الجملة وحدةً أساسيّة مكوّنة للخطاب/النصّ  و من يعدّ النسيج الخطابي / النصّي قائما على الأقوالles énoncés  أو القضاياles propositions     اعتبارا منه أنّنا نتخاطب في الواقع  بالأقوال[1] لا بالجمل ، فإنّ طبيعة العلاقات التي تربط وحدات الخطاب لا تقلّ أهمّية عن مُكوّناته أحيانا . ولكم يبدو عسيرا حصر هذه العلاقات و بيان سماتها و خصائصها خاصّة و أنّ نسقيّة الخطاب تتجاوز ما هو لغوي نصّي لتتّسع إلى سياقات أخرى ثقافية و اجتماعـــــية و سياسيّة . وهي ميزة الخطاب ربّما في كونه نسقا تفاعليا مفتوحا وعلينا في كلّ مرّة إعادة رسم ملامحه و حصر سديمه .
كما لا بدّ من التذكير في مقدّمة هذا العرض بخياريْن :

anfasse21082وأعيدُ ترتيبَ الجدار
وأشكّلُ المعنى ..   " ذنوب "
لا أعلم ما الذي استهواني لقراءة ( هوامش كحل ) هواية أم غواية ؟ أهو الفضول في تتبع مَن يملك اعادة ( ترتيب الجدار ) و اشكال المعنى .. ؟ من يتحكم بانزياحات النفس في مكامنها ليقودنا ضمن ايدلوجيته الشعرية للولوج في ( صومعته ) لنقف في فضاءات تتسع كلما ضاقت المفردات والتراكيب ، الصومعة التي افرزت انبعاثات لغوية ومشاطرات شاعر يمتلك كل الادوات التي يستطيع من خلالها التحرك ضمن خطوط متعرجة ، اذن / هو شاعر لا يعرف الهدوء ، شاعر يتحرك في مضامين شعرية ضاجّة ، انه الشاعر الدكتور ( حامد الراوي ) الذي لا ولن تستطيع سبر اغواره إلا بالاقتراب من كتاباته الشعرية ، لتجد انساناً تتكامل لديه كل المفهومات والرؤى الشعرية ليس تحايلاً بل الملكة والموهبة التي انسابت من بين انامله لتغص بهذا الكم الهائل من المفارقات الذهنية والتناقضات التي ترسم خطوطا ً متناهية الصياغة الفنية وكأنني في ورشة رسم صغيرة في مساحتها .. كبيرة في نتاجاتها ، تضخّ كل ما يجذبنا ، الى عالم مملوء بالصخب والجنون :

anfasse07082أثارت رواية الطلياني للكاتب والأكاديمي التونسي شكري المبخوت والفائزة بجائزة البوكر هذا العام ردود أفعال متباينة في الساحة الروائية و الإعلامية العربية وحظيت بهالة من الإشادة والترحيب مثلما قوبلت لدى البعض بنوع من اللامبالاة والتجاهل .
وقد تابعت شخصيا هذا النقاش النقدي والتوصيفي عبر مختلف منابر الصحافة العربية المكتوبة والالكترونية حيث طرحت بعض الأسئلة حول الهواجس غير المعلنة أمام جمهور النقاد والأكاديميين و عموم القراء والمهتمين بالرواية العربية والتي تحكمت في منح الجائزة للروائي التونسي شكري المبخوت بل ذهب بعض النقاد المصريين حد التشكيك في الكفاءة السردية للروائي فيما نحى آخرون نحو التركيز على البعد الجغرافي (تونس مهد الربيع العربي) ، تماما مثلما شكك فريق من النقاد بأهلية أعضاء لجنة على اعتبار أنها تضم شعراء ليس لهم باع طويل في السرد أو تخصص أدبي يقدم مقاربة علمية ومنصفة للأعمال الروائية المعروضة للظفر بالجائزة بعيدا عن منطق الاصطفافات الذي اضر بالاستحقاقات الأدبية و بصورة الإنتاج الأدبي العربي بشكل عام،لكن في الحقيقة إن السر الذي ينبري الجميع لإخفائه هو أن الخلاف بدا منذ فترة طويلة يتمدد ويتحول من مجال الكتابة والإبداع والنقد إلى حلبة غير مرئية لتراشق جغرافي ونفسي وسياسي مقنع .

anfasse0709كان ولا يزال الأثر الابداعي مرآة لما يجول في أعماق النفس ولواعجها، انه امتداد لحسرتها وكابتها وحزنها وأفراحها وغبطتها ...وكل ما يصوغ الكون داخل النفس ويحملها على أن تساير الخارجي أو تتجاوزه في لهفة منقطعة النظير نحو الأفق الذي لا  تغيب عنه الحقيقة الا لماما.
فأن يشكل المبدع الخارجي في تقاطعاته المتباينة هو صميم اعادة البناء بعد هدم ونفي ونسف "للنموذج الخادع" واسدال ستار الرؤية الباطنة واسبالها على المعطى الخارجي المتشكل وفق اضطرابات النفس واستقرارها على وتيرة  يفرضها التفاعل الايجابي أو السلبي بالواقعي الفاضح والواضح.
من هنا نفهم النفس والروح التي تتغلغل داخل البنية الابداعية من حيث كونها دقائق الحياة وتفاصيلها المنسوجة وفق تواليها، بالتمام، داخل  روحانية كاشفة عن رؤيتها للكون والحياة وأقطابها السطحية والأفقية.
هذا الارتسام، النسبي، قد يكون للقارئ، المؤرق، أن يقتفي أثره وهو يتابع عن كثب وبتمعن دلك الاحساس النابع من "تحت ظلال الزيزفون"1 حيث الأحاسيس المرهفة يكشف عنها السرد وتعيشها الشخصيات في وقعة لا تخلو من أن تكون" دعوة سرية" الى اعادة ترشيح العلاقات وتشريحها حتى يكون لها معنى يعلو ليصير مرآة للأنا  في تداخلاتها مع الاخر في مستويات متمايزة.

anfasse01087إن الحديث عن موضوع:"الأسطورة في الشعر" يتوخى هنا مقاما كلاميا، يعكس إدراكا معرفيا، عن الأشياء والظواهر في الكون، ومعنى هذا أن هناك مقامات للكلام، أسماها وأعلاها المقام الأسطوري.
فالمقام الأسطوري في اللغة الشعرية، صيغة كلامية، تتبنى عناصرها المتفاعلة صورا غير عقلية وغير واقعية. هي صيغة تعصف بكل حدود الواقع، وتعبث بالأقيسة المنطقية. ولكنها في نفس الوقت تحتكم الى نوع خاص من المنطق الذي يشد البناء الداخلي لهذه الصيغة.
إننا هنا لا نقصد الحديث عن الشعر، الذي يوظف الأسطورة وانما نقصد الشعر الذي يصل من خلال بنائه الخاص الى المستوى الأسطوري. بمعنى أن القصيدة تصبح هي ذاتها أسطورة، من غير أن تعتمد على حكاية أو قصة أسطورية (1) فالقضية مرتبطة أساسا: بالقصيدة الشعرية الإبداعية التي تصل من خلال بناء عناصرها الداخلية، ومن خلال رؤيا صاحبها الى المقام الأسطوري، وليس بالشعر الذي يستغل أو يوظف الحكايات والقصص الأسطورية.
ينطلق الموضوع من تصور خاص، وهو أن مقامات الكلام في الشعر، تجسدها ثلاثة مستويات: المستوى الحسي، وهو نوع من الخطاب العادي الذي يعكس صور الأشياء كما هي في واقعها الرتيب، ثم المستوى الاستعاري وهو نوع من الخطاب الذي يتفاعل مع الأشياء ل الواقع الخارجي تفاعلا مجازيا. ثم المستوى الأسطوري، وهو نوع من الخطاب الذي يتجاوز الحس والعقل، ويتحرك كما يتحرك الحلم، من غير أن يستند بناؤه الى حد من الحدود. إننا مع هذا المستوى الثالث من الخطاب، لا نطرح التساؤل عن العلاقات الممكنة وغير الممكنة وانما نتتبع الصورة وهي تنمو شيئا فشيئا، من غير أن تعتمد على الموازنات والمقارنات والتشبيهات والاستعارات بين الأشياء.
يقول عبدالوهاب البياتي في قصيدته: "قمر شيراز" (2):