
تعتمد دراستنا لهذا الموضوع على تفكيك البناء الفني للسيرة، وهذا من خلال الكشف عن الأسس الفنية والأدوات التعبيرية التي وظفها الراوي لإنجاز عمله والمتمثل في سيرة الملك الظاهر بيبرس، ومن أبرز الأسس:
1 ـ دراسة البناء السردي للسيرة:
إن الكشف عن البناء السردي المتبع في السيرة لا يمكن تجليته للقارئ إلا بعد تفكيكه إلى وحدات تعبيرية تقنية ارتكز عليها السارد في تقديم السيرة، ومن هذه الوحدات:
الراوي، حيث يكثر استعمال هذا المصطلح في السيرة الشعبية عامة وفي سيرة الظاهر خاصة، حيث إن المؤلف في كل انتقال من حكاية لأخرى يلجأ إلى تقنية تعبيرية كرّرها كثيراً، فألفها القارئ وحفظها السامع، هذه التقنية هي: "قال الراوي"، وهو بهذا العمل يعيد إنتاجاً مروياً، وأحداثاً وقصصاً.. إلى متلقين هم في أغلب الأحوال لم يطلعوا بعد على الأحداث، أو هذا المروي الجديد.
وإذا علمنا أن الراوي في السير الشعبية عامة ينتظم في نمطين:
1. راوٍ مفارق لمرويّه: يتدخل دائماً فيما يرويه.
2. راوٍ متماهٍ2 بمرويّه: يترك للمروي أن يروى دونما تدخل مباشر فيه.
ومن خلال تحليل البناء الفني للسيرة يظهر لنا أن الراوي المفارق لمرويه يحتل مساحة كبرى داخل العملية السردية المتحكمة في بناء السيرة، أما الراوي المتماهي في مرويه، فإن وجوده بالسيرة جدّ قليل فمن أمثلة النوع الأول: "قال الراوي: وأما ما كان من أمر المقدم إبراهيم وسعد"(3) وكذلك قوله: "ثمّ إن الملك أعطى الكتاب إلى النجاب، وقال لوكيل الخزنة: أعط خلعتين، واحدة إلى جمال الدين شيحة، والثانية لأبي علي البطرلي"(4)، وقوله أيضاً: "أما ما كان من أمر المقدم معروف بينما هو في دير الشقيف، وإذا داخل عليه رجل تاجر، وقدم إليه هدية قماش وغيره، وقال له: إكراماً إلى جدك أبي السبطين الإمام علي عليه السلام، أن تأخذ مني هذه الهدية، فقال له المقدم معروف: قبلتها.
ولكن لأي شيء تقدم لي هذه الهدية"(5)، والسيرة عموماً تعج بهذا النوع من الراوي، فلا يترك مجالاً لأبطال وشخصيات السيرة أنْ تعبر عن أفعالها، وإنما يدفعها بتدخله إلى قول ما يريده الراوي.