fractal-abstractionهناك مقولة متواترة عبر العصور مؤداها "أهل المشرق أهل إبداع وأهل المغرب أهل فقه وهوامش" مما يفيد أن الإبداع الحق مصدره المشرق في حين ينحصر دور المغاربة في الشرح والتعليق ووضع الهوامش. مع الاعتراف بدروه المهم في تمويل المشرق بالفقهاء والمتصوفة. من الواضح أن هذه المقولة في منطوقها ومفهومها تسعى إلى أن تجعل المغرب تابعا إبداعيا للمشرق. وهو ما تختزله المقولة الذائعة الصيت "بضاعتنا ردت إلينا" التي قالها الصاحب بن عباد عندما وصله كتاب"العقد الفريد" لابن عبد ربه. لقد كان يتوقع أن يجد فيه تعريفا بأدب المغاربة فوجده يضج بأدب المشارقة. وفي ذلك توكيد للرأي الذي يقرر أصحابه أن المغاربة كانوا على الدوام مفتونين بالمشرق ومأخوذين بإنتاجات أعلامه. وقد ألف عبد الله كنون كتابه "النبوغ المغربي" من أجل إبراز الإسهام المغربي في الادب العربي.

bracelet-braceletالحظر على الاعمال الادبية التي تتناول تابو الجنس من قبل الادباء المنتمين للعالم الثالث الاسلامي لم يعد ينفع في زمننا الحاضر ، ومع ان هناك شواهد كثيرة خلّفها لنا الارث الثقافي الاسلامي تجاوزت هذا التابو الا ان هذه الشواهد لم تر النور بل وطمرت في صندوق الذاكرة ، عن جهل ، او عن قصد وسوء نية الازمنة المريضة ، اما في زمن الحريات الانسانية فقد انكشفت افاق هذا الموضوع الغريزي وتعدى كل خطر، سواء من قبل بعض الفئات المجتمعية او الدينية والسياسية ، ليس من اجل التحدي ، بل لكشف ممارسات مجتمعية ونخبوية غير سوية ، توظف ارث المحظور بابشع صورة لصالح منافعها الخاصة ، منافع مبطنة بتبريرات جفاها الزمن .

ob 1f6867 aphroditeفي عشر مقطوعات قصيرة في قصيدة نثرية، تراوحت كل منها ما بين الشطرتين والخمس شطرات، كان أحمد أيوب يبث لواعج ما بين ألم وفلسفة مخاطباً أفروديت، وأفروديت يقال عنها إنها إلهة الحب، بينما وحسب ما وردت في الأساطير اليونانية فهي إلهة الحب والجمال والشهوة والجنس والبغاء، فهي إذاً إلهة الحب الجسدي وليس الرومانسي كما يفهمه البعض، وفي العبادة الوثنية في معبدها في أثينا كان الجنس جزءاً من العبادة، وأفروديت معروفة عند الرومان تحت مسمى فينوس، وعرف بالأساطير المروية عنها أنها كانت تمارس الخيانة كثيراً، وتنسب اللات لدى العرب في الجاهلية أيضاً أنها نسخة أخرى من أفروديت أو فينوس.
   واضح أن النص تم البوح به وكتابته في ظروف الشتاء القارص والثلوج، وربما في الظروف التي مرت بها المنطقة خلال الأيام الماضية حين زارتنا (اليكسا) بكل قسوتها، فالشاعر يبدأ نصه بوصف الشتاء والحال به، فهو يصفه بأنه (عقيمُ الأمنيات)، وهو يصرخ لا (للريح تحمل صمتنا الموبوء)، وحقيقة لفت نظري وصف الشتاء بأنه وحي عقيم الأمنيات، فالشتاء وخاصة بعد طول انتظار الغيث يوصف بالخير، ودوماً يشكر الناس الله على نعمته بالقول: الحمد لله، و(جعلنا من الماء كل شيء حي)، بينما في الشطرة الثانية يصفه بأنه (جدلٌ يدثر خوفنا البريَّ)، وهنا نجد الخير بين طيات الكلمات، فالشتاء هنا يدفئ خوفنا من العطش والمحل والقحط.

JIDAR-ROMANاصطلح النقاد على تسمية عنوان النص بالعتبة التي من خلالها يتم الولوج إلى رحابه، أما أن تظل العتبة هي المهين الأول على تفاصيل النص فهذا ما نجده في رواية "جدار" الصادرة عن مطبعة الجسور لمحمد مباركي.
   من بداية النص إلى منتهاه يمضي الأسلوب السردي في إيقاع منسجم خال من أية عثرات، وهو ما يبعث في نفسية القارئ راحة تسعفه على متابعة تفاصيل النص دون عناء. إلا أن الذي يلفت الانتباه أكثر هو استغناء الراوي عن الرجوع بالذاكرة إلى الوراء بشكل شديد التشابك، وهو ما نلحظه ـ خاصة في الآونة الأخيرة ـ في العديد من التراكمات النصية التي تربك القارئ وهو يلهث خلف الأحداث يحاول أن يوجه عبثية الزمن في تلافيف النص. كأن هذا ـ أي التسلسل الزمني البسيط في رواية جدار ـ مبعثه ما يطالعنا به في مستهل النص " لم تكن في بيتنا ساعة حائطية، ولم أكن أملك ساعة يدوية" ص9.

Picture-013·    عتبة أولى ..
" خسئت روحي، فانزلقت للإجرام بخطى واثقة " (ص:7) ..
هل أتابع أم أحجم وأتراجع ؟
انطلاقة مثيرة، قوية، صادمة.. تجعلك تقف، تلتفت، تتساءل..رغم ذلك تندفع إلى الأمام قارئا مستمتعا، تلتقط أنفاسك وأنت في بداية المسير..
هذه الجُرأة، وهذا الاندفاع يُخفي أمامه الكثير، كأنه بداية القطر.. " خسئت روحي " ويندفع شلال حكي صادم، صادق، قوي يحمل الكثير من الألم والجراح الذي على امتداد الرواية يُخندق أبطالها في خانات ضيقة، مظلمة، تفوح منها روائح الدناءة والخسة لتسمهم بجراح عميقة تطفو إلى السطح كلما حان وقت التذكر ليسيل على جوانبه الدم والصديد..

201305131342371 1يمثل  عمل أميل. حبيبي(1) تيارا أساسيا في الرواية العربية  المعاصرة, نوعا من تهجين الشكل الروائي الأوروبي بعناصر سردية, وغير سردية, مجتلبة من التراث العربي  و الحكايات الشعبية وأشكال السرد الشفوي، وسيلته للخروج من قبضة الشكل السردي الخطي الذي استطاع  نجيب محفوظ في ثلاثيته, وعدد آخر من رواياته التي تنتمي الى الخمسينات أن يعتصره ويقيم منه  عمارته الروائية.     لكن إميل حبيبي،على قلة ما أنتج من أعمال روائية, استطاع منذ كتب عمله شبه الروائي الأول «سداسية الأيام الستة " أن يقيم بناء عمله الروائي عل مواد متنوعة متغايرة وان يشكل عادته السردية في دوائر متقاطعة: حكاية تجر الى حكاية بحيث ينسى القاريء الحكاية الأولى إذ ينجرف مع سيل الحكايات التي تذكر بأسلوب الف ليلة وليلة في الافضاء بقارئها الى سلسلة الحكايات التي تؤدي الواحدة منها الى الأخرى. والمتابع لأعمال إميل حبيبي عل مدار الأعوام العشرين الماضية سيجد أن الكاتب الفلسطيني الكبير لم يتخل في أي عمل من أعماله عن أسلوبه الذي بلغ ذروته في "المتشائل" والذي استطاع من خلاله شق طريق جديدة للرواية العربية.

122MODAFFAREقلت كثيرا أن المبدع الجبار هو من يمسك بإحكام بالإجابة الشافية على سؤالين حاسمين : الأول هو الرؤية (بالتاء المربوطة) ، أما الثاني فهو الرؤيا ( بالألف الممدودة) . الرؤية تتعلق بسؤال مركزي هو : كيف أكتب ؟ أي ( التقنية )، أما الرؤيا فتتعلق بالسؤال المركزي الآخر وهو : لماذا أكتب ؟ (الفلسفة أو الموقف الوجودي من الابداع أو ببساطة الجدوى من كتابة الشعر) ، ووسط الأزبال التي كتمت أنفاس الحبيب يقف مظفر فوق أطروحات الرؤية والرؤيا على حد سواء ، يجمعهما في تعبير بسيط ومركب وشديد الأذى :
(( أگولن گاعي وأعرفها
    أگولن گاعي ،
   يتنفس بريتي ترابها .......
          وحبها ... وبصلها ....والشمس ... والطين..                           
   باعوني عليها
             وخضّرت عيني بدمعها
                               وماني بايعها ))   

AISSA-YASSIRIمن السمات الغالبة على الموقف الشعري النفسي للشاعر عيسى حسن الياسري هو القلق من الموت – death anxiety ، وهو قلق مبكر أيضا يجعل الفرد أحيانا يرثي ذاته حيّاً ، لأنه يحيا تحت مطارق قناعة أكيدة بالفناء الوشيك . وفي أغلب القصائد تجد هذا القلق يشتعل عند حصول مخاطر التهديد بالإنفصال عن الرحم الأمومي الحاني حتى لو كان الخطاب موجها إلى المعشوقة في الظاهر :
( في هذا الليل الموحل
كيف أكون بعيدا عنك
ولا يملكني الموت
فأملك وجهك
ثم أفصّل من كفني
علما للمدن المهزومة
وثيابا لعراة الأرض – ص 22 )