anfasse-poesie1- تقديم:
لن نسلك في هذه المقاربة سبيل الدرس الأكاديمي التقليدي، وإنما سنترك جانبا القوالب الجاهزة التي اعتاد الدرس أن يتلبسها في مثل هذه المواقف ليناقش محمولات العبارة الشعرية في القصيدة. ونبدأ مما تصرح به الشاعرة نفسها من بوح تحاول أن تبرر به القول والفعل معا. إنها حين تكتب تكتب في خلوة، ولكنها حين تقبل على جمهورها تقوم بتعرية الذات، وفضح أسرارها أمام حشود متعطشة للأسرار والأخبار.. إن العلاقة التي تقوم بين المنشد قصيدته والمتلقي، لا تقوم أساسا على جماليات اللغة، والصور، والعروض، وإنما تقوم على مقامات البوح وما يعمرها من غريب وجديد.. ولا تقوم اللغة إلا خادمة لذلك السريان الخفي بين لسان يدفع، وأذن لا تشبع.
وكم يكون الأمر مثيرا حينما يكون الباث امرأة.. إنها ذلك الكائن العجيب الذي لا تنقطع أسراره، وكأنها تتجدد بتجدد الأيام مع شروق سموشها وتوالي لياليها.. إنك تسمع لها وكأنك تسمع حديثها لأول مرة، سواء تغزلت أو اشتكت، أو رثت، أو وصفت.. إن حديثها دوما.. شاءت أم أبت، حديث مبطن بأسرار.. أو هكذا نريد له أن يكون لئلا يسقط في التسطيح والسذاجة.
وحين نقارب "ربيعة جلطي" من هذه الزاوية نريد للقوالب الجاهزة والأحكام الناجزة أن تتوارى بعيدا عن كل همس يند من كتلة النص، لنسمعه بينا واضحا من خلال حفيف الكلمات وحشرجة الحروف، وكأننا أمام فضاء تلعب فيه رياح يوسف غضوب بأوراق خرفه، تلهو بهن هنيهة وتعود تجمعها بعد شتات..

yousri-arraoui-anfasseبداية وبعد الترحيب والشكر على إتاحتك لنا الفرصة لإجراء هذه المقابلة، نود منك إعطاء قرائنا نبذة عن القاص والكاتب يسري الغول، ولمحة عن ابرز أعمالك؟
شكراً لك أخي وصديقي  مهند ويشرفني دوماً لقياكم والتحدث إليكم. أنا يسري عبد الرؤوف الغول، من مواليد غزة، مخيم الشاطئ 15/8/1980 ، عايشت كما غيري من أبناء مخيمات الوطن انتفاضة الـ87 التي اتسمت بسياسة كسر الأجساد والعزائم، حيث ارتشفنا من كأس الضرب والاعتقالات في طفولتنا ما يكفي كي نكتب حتى آخر رمق، فلا زلت أذكر كيف تم إيقافي أكثر من مرة وضربي وعمري لم يتجاوز بعد الثالثة عشر ربيعاً.
حصلت على درجة البكالوريوس من قسم اللغة الانجليزية، من الجامعة الإسلامية بغزة عام 2002. واليوم أوشكت أن أنتهي من دراسة الماجستير من قسم دراسات الشرق الأوسط، بكلية الآداب والعلوم الإنسانية من جامعة الأزهر بغزة.
أعمل مديراً لدائرة برامج دعم الإبداع بوزارة الثقافة الفلسطينية. ومديراً لتحرير مجلة مدارات الفكرية والثقافية، وهي مجلة نصف سنوية تصدر عن وزارة الثقافة. كما أنني عضو عامل في اتحاد الكتاب الفلسطينيين منذ ما يقرب الخمسة أعوام.

zajal-anfasseتحققت في الآونة الأخيرة طفرة نوعية في منجز الشعر الزجلي  الذي يعد جزءا هاما من تراثنا الشفاهي ، وذلك بتعدد الإصدارات والاحتفاء بالزجل والزجالين في ملتقيات إبداعية وندوات فكرية أعطت لهذا الإبداع الأنيق صورة  جميلة واهتماما واسعا، لما يتركه هذا الفن من جميل الأثر في النفس، ولأنه كذلك كما يقول الشاعر محمد شلهوم  (شفاف رقيق يدخل إلى القلب بيسر وسهولة ويتقبله السامع لحلاوة كلماته وشفافيته).وان كان المؤرخون يعودون بالزجل في أصوله الأولى إلى الأندلس فقد تلقفه المغاربة طازجا ووزنوه بموازين مغربية أصيلة ذات سحر خاص، جعلتهم  الأولى والأجدر  بتسلم هذا الإرث الشعري الشفاهي وحمل مشعل استمرار يته، واستنباته في تربة مغربية أصيلة مهرته بطابعها المتفرد الأصيل.نتوقف اليوم عند تجربة متميزة للشاعر عبد الرحيم بنبيكة من خلال إصداره الأول ديوانه ""الحيمر"".

لعل أول ما يلفت الانتباه لمنجز بنبيكة في ديوانه الزجلي ( الحيمر) -الصادر عن منشورات  برنت  -كونه جعل من  اسم وصورة  والده الحيمر ابن القائد بنبيكة عتبة لولوج الديوان وعنوانا له. صورة الوالد على الغلاف على حصان مطهم شامخ يتأبط بندقية الخيالة، بكل العنفوان والشهامة التي عرف بها أبطال ثورة العشرين من غشت 1953 وغيرهم من الأسلاف القدامى الأشاوس، الذين كانوا يعشقون  رائحة البارود على تعبيره  في الإهداء الذي تصدر الصفحة الأولى من الديوان حيث إليه وللوالدة التي لولاها لما خرج الى الوجود  ( إلى روح والدي الذي كان يعشق رائحة البارود ) ومن خلال عتبة الديوان التي تعتبر مدخلا للمتن، او كما تسمى في علم العنونة الثريا التي تضيء سقف النص وتنير رحابه او النص الصغير والبسيط الذي  يفضح نية النص الكبير والمركب  ، فان الشاعر يفصح عن نيته في خوض غمار تجربة الزجل إلى جانب تجربته المتميزة في التشكيل، من على صهوة الزجل مسلحا بكل العدة والعتاد اللازمين لذلك، حتى وان كان بنبيكة يشتغل بعيدا عن الصخب الإعلامي فهو يشذب ويقوي ويطور تجربته في هذا المجال في دأب حثيث، ناهيك عن إسهاماته المتميزة في الساحة التشكيلية المغربية.

yoube111في يوم من الأيام كنت كعادتي اتجول في سوق القريعة بالدار البيضاء،أنتقل كالنحلة بين ردهات المكتبات التي تبيع الكتب البالية،وأنا أفتش في الرفوف المتراصة أثارني عنوان رواية "خبز وحشيش وسمك" للروائي المغربي عبد الرحيم لحبيبي،الصادرة عن إفريقيا الشرق.ٍرايتها تئن تحت ركام من الكتب التي أكلتها الأردة وأصبحت رائحتها تزكم النفوس،وقلت في نفسي لاشك أن هذه الرواية تبحث عن منقذ يخرجها من داخل هذه الوراقة، وينقلها من عتمة الظلام إلى واضحة النهار لتأخذ حقها من الدراسة.

مددت يدي لأخرجها من تحت أنقاض الكتب المتهالكة فإذا بصاحب المكتبة يقول لي: أما زلت كعهدك تهتم بالكتب القديمة،أومأت إليه برأسي مجيبا إياه بأنني مازلت، وسأظل أقتني الكتب القديمة و أقرأها إلى أن أموت، كنت أكلمه وعيني على الرواية التي استفزني عنوانها واللوحة التي اختارها الروائي بذكاء لتلائم موضوع الرواية،أديت له ثمنها البخس الذي لا يغطي ثمن أي شيئ من متاعب صاحبها.

خرجت في اليوم التالي إلى المقهى،شرعت في قراءة "خبز وحشيش وسمك"رواية من الحجم الكبير مألفة من 232 صفحة تجري أحداثها في أحد أحياء مدينة أسفي الذي يسمى بحي السينية.وسمي هذا الحي بهذا الاسم نسبة إلى السانية، جمعها السواني وهي كلمة تطلق على مجرى الماء العذب الذي يستغله الأهالي في الشرب والسقي والغسيل وغيرها من متطلبات الحياة.

يبدو أن الروائي بعد عودته من السفرو بعد أن أكمل دراسته في الخارج، كان مولعا بمدينة أسفي إلى درجة الهيام،وقد خصص الفصل الأول للحديث عنها، واعتبرها (هبة البحر) وأن البحرهو المورد الرئيسي لسكان مدينة أسفي، و أنه يتصف بصفتين صفة العطاء وصفة الأخذ، فهو يعطي الناس من خيراته لكنه في كثير من الأحيان يسلبهم حياتهم(كان البحر جحيمه ونعيمه،سعادتها وشقاؤها)ص5

أنفاس نت1: تعدد السرد ووحدة الرؤية
تعتبر القصة القصيرة جدا من الأجناس الأدبية الحديثة التي تتصف بصفة الزئبقية و الانفلات الذي ينهض ويتحرك على مستوى المفردات و الجمل القصصية،وتزداد تعقيدا وصعوبة في الدراسة النقدية عندما تسرد بصيغة الجمع،حيث تتعدد الرؤى وتتعدد معها أساليب السرد المختلفة عند القصاصين المشاركين في هذا المشروع القصصي.
وفي "نقش في الحرف"لجماعة برشيد تزداد المجموعة القصصية صعوبة وتمردا على القارئ/الناقد لما تحمله من أوجه رؤى متباعدة ومختلفة باختلاف وجهات نظر أصحابها،مما ينتج عنه صعوبة في اختيار آليات قراءتها،فيشعر القارئ وهو يقلب صفحاتها أن كل قاص قد نفت شيئا من روحه في اختياراته التجريبية،وصب فيها رؤيته إلى العالم،انطلاقا من منظوره الخاص ومن زاوية قراءته للعالم،لكن هذه الرؤى المتناقضة المنطلق لها نفس الهدف ونفس التوجه،وحينها يصبح الاختلاف و التناقض في الرؤى يخدم المشهد الثقافي و السياسي و الاجتماعي...
إنها رؤى ثاقبة إلى العالم،رؤى تتقاطع عموديا وأفقيا مع الطرح العام لكافة المثقفين المغاربة،وتعبر عن آلامهم و آمالهم بكل صدق وإحساس مرهف.وكان لهذه الطريقة في الكتابة أثر كبير في نفسية المتلقي حيث إنه أصبح عنصرا مشاركا في عملية السرد القصصي.لقد أصبح المتلقي هدفا عندما استوعب المجموعة القصصية وتذوق دلالاتها وحمولاتها الفكرية،ومن تم أصبح عنصرا مشاركا متورطا في عملية السرد،وذلك من خلال قراءة ماوراء السطور،فلا تلبث عيناه تزيغ عن القراءة إلا ويجد نفسه منغمسا في جوهر مواضيع المجموعة القصصية ومقترحا لمجموعة من الحلول الممكنة التي تعطي تفسيرا وتأويلا للأسئلة المطروحة،والإشكاليات التي تبقى معلقة وتحتاج إلى إجابات تقترب أو تبتعد من المشروع الفكري و المنهجي المخزون و المنقوش في ذاكرة الأدباء الخمسة.

يسري الغول - أنفاس نتكعادتي دوماً حال انتهائي من قراءة بعض الروايات الفلسطينية التي تستثيرني أحداثها وأفكارها، فإنني أسعى جاهداً للكتابة حول الراوية المقروءة. وأذكر أني كنت قد كتبت سابقاً قراءة نقدية حول رواية (عين سفينة) للروائي الفلسطيني خضر محجز وكانت قراءتي قاسية جداً بالنسبة لمؤلفها، لأنني عملت على سبر أغوار ما كان يرمز له في جوف روايته تلك. وأذكر يومها أيضاً بأن جريدة الحياة الجديدة رفضت أن تنشر القراءة، الأمر الذي دفع بالدكتور خضر محجز نفسه لأن يطلب من الجريدة أن تنشر النقد دون وجود أي معارضة من جانبه، فهي في النهاية مجرد قراءة نصية.
واليوم فإنني –وبعد قراءتي لرواية السيدة من تل أبيب- أردت أن أضع بعض التوصيات الهامة والملاحظات – حسب ما أرى- للاستفادة منها في الطبعات القادمة، ولعل ذلك بدا واضحاً من خلال ما كتبت في سياق النقد، حيث ذكرت على سبيل المثال لا الحصر في موضع لقاء البطل بأمه "أعتقد أن الكاتب بحاجة لإعادة صياغة المقطع بما يتناسب مع حجم الموقف واستغلاله لاستدرار مشاعر القارئ الجياشة".  وحين ذكرت أيضاً، "وهذا خلل طارئ داخل الرواية أعتقد بأن على الروائي المدهون معالجته في الطبعات القادمة".
لكنني –وللأسف- فوجئت برد قاس من طرف السيد ربعي المدهون، والتهديد باللجوء إلى القضاء، وغيرها من الاتهامات والتجريح. ولست أدري منذ متى كان النقد الأدبي يدفع بصاحبه إلى ساحات القضاء. ولعلي بحاجة هنا إلى توضيح وتفنيد بعض الأمور للسيد المدهون حول قراءتي لتك الرواية.

أنفاس نتإن سجل القيم واسع شاسع. وعندما ينتقي المؤلف الروائي من ذلك السجل ما يعتقد أنه يتناسب وشخصيته أو أحداثه الروائية، يمهد بذلك الطريق للناقد الروائي كي يسأل إن أفلح المؤلف في ذلك وقدم ما يكفي من العلل لتبرير ذلك الاستعمال الأدبي.
حالات بلاغية:
البلاغة بحر صاخب متعدد الألوان، غزير الإمكانات، متفاوت الاختيارات. وهي بسبب هذه الغزارة تتداخل في كثير من الأحيان مع أبواب النقد والتحليل والتأمل والتفسير والتأويل والشرح والتعليم. كما أنها قاسم مشترك بين المبدع وممارسي كل تلك المهام العقلية حيث يمتح الجميع من جماليات الإمكانيات التعبيرية المتاحة أو المحتملة، إما بقصد النظر النقدي أو بقصد الخلق والابتكار. بيد أن إقرارنا بهذه الرحابة قد يفوت علينا في عديد من المناسبات فرصة التأمل المجهري في قضية من قضايا البلاغة أو اجتهاد من اجتهادات أعلامها. لذلك يحسن في مثل هذه الأحوال العمل على تقليص مظاهر الرحابة ولو على سبيل التبسيط وتقريب المفاهيم.
ويمثل كتاب واين بوث Wayne C.Booth حول بلاغة الرواية Rhetoric of Fiction مناسبة فريدة من تلك المناسبات حيث يقدم هذا الباحث اجتهادا بلاغيا معاصرا يخص الرواية بصفة أساسية. وأظن أنها فرصة فريدة ما دام عنوان الكتاب قادرا وحده على إحداث رجة في عقلنا النقدي. وربما من أجل هذه الفرادة –وبتأثير أسباب أخرى تخرج عن نطاق هذا المقال- سنقدم على عملية التبسيط المشار إليها آنفا.

أنفاس نتليس من عادتي الرد على أي انتقاد يوجه لروايتي "السيدة من تل ابيب" التي كانت على القائمة القصيرة لجائزة بوكر العالمية للرواية العربية في دورتها الثالثة 2010، ولا أسمح لنفسي بذلك أساسا. لكن حين يتجاوز النقد أبطال روايتي، إلى المس بشخصي، وينزلق إلى التشهير بي، اعتمادا على أكاذيب، وتلفيق تهم وتزوير للنص الأدبي، وتقويل شخصياتي ما لم تقله، واتهامي بمواقف غير وطنية، في عملية تحريض علني مثيرة للاستغراب، فلن أكتفي بالرد الذي أورده هنا، مؤكدا على حقي المكفول بالرد على مقال السيد يسري الغول، المعنون "بين كتاب في جريدة وبوكر الرواية العربية"، وإنما سأحتفظ بحقوقي القانونية، إذا ما تبين لي، بعد الاستشارة، أن ما ساقه الغول من الفاظ واتهامات وتحريض يقع في إطار الذم والتشهير والنيل من السمعة الشخصية من دون حق أو سند.

أعترف بداية بأن الغول يبدأ بمقدمة موضوعية، وملاحظات نقدية تعبر عن وجهة نظر عقلانية وهادئة، تشيد بقوة بالرواية حتى جزئها الثالث، الذي "آلمني كثيراً لتوقف كل عناصر الرواية الحقيقة (..) فكان عنصر التشويق (...) قد ولى إلى غير رجعة، وبدأت التقريرية الصحفية تطفو على سطح سيرة الكاتب الذاتية، أو روايته حسب تصنيفها، وانتقلت الرواية من الأحداث المشوقة والمهمة إلى أخرى لا قيمة لها عند القارئ،" كما كتب يقول عنه.