أنفاس نت - محمد يوبعندما يريد القارئ المتتبع للمجاميع القصصية قراءة مجموعة قصصية قراءة نقدية، يقف حائرا حول المنهج الذي يلائم هذه المجموعة أو تلك، لأن طبيعة السرد القصصي ومدى تأثيره على المتلقي هو الذي يفرض نفسه عليه،ويحثه على الوقوف مليا أمام الكلمات المفاتيح التي تغلب على هذه المجموعة والطابع العام الذي يغلب على هذه القصص،الشئ الذي يدفعه للاهتداء إلى الأدوات والآليات النقدية الممكنة التي تساعد على فك ألغاز وخفايا هذا النص القصصي أو ذاك.

وعندما قرأت "وطن وسجائر بالتقسيط" للقاص المغربي أحمد السقال أثار انتباهي طريقة السرد التي تناول بها السي أحمد أغلب مواضيع قصصه، حيث إنها في أغلبها قصص تدخل في إطار ما يسمى بالسرد القائم على السخرية السوداء،هذا النوع من الكتابة الأدبية التي تعتبر بحق من الصعوبة بمكان، نظرا لما تحتاج إليه هذه الكتابة الذكية من تقنيات عالية وأدوات لغوية وبلاغية،التي تساعد على نقل الواقع المبكي بأسلوب مضحك،بمعنى أن طريقة الكتابة التي تخوض سرديات السخرية السوداء ينبغي عليها أن تجمع بين الكوميديا والتراجيديا في قالب واحد متناغم ومتلائم لاوجود فيه للتناقض والارتباك الذي يقضي على جمالية هذا النوع من الكتابة،والسخرية السوداء كانت معروفة في التراث العربي القديم وبشكل خاص عند الجاحظ وهو ما يسمى في كتاباته الأدبية بالأسلوب المضحك المبكي أو "ضحك كالبكاء".

أنفاس نتيتميز التفكيك عن النقد. فالنقد يعمل دوما وفق ما سيتخذه من قرارات فيما بعد، أو هو يعمل عن طريق محاكمة. أما التفكيك فلا يعتبر أن سلطة المحاكمة أو التقويم النقدي هي أعلى سلطة.إن التفكيك هو أيضا تفكيك للنقد. وهذا لا يعني أننا نحط من قيمة  كل نقد أو كل نزعة نقدية . لكن يكفي أن نتذكر ما عنته سلطة النقد عبر التاريخ"
J.Derrida, Points de suspension, entretien avec D. Cohen
Ed. Galilée 1992.
تذكرنا عبارة " تفكيك النقد" بعبارة أخرى أكثر قدما هي عبارة "نقد النقد"، فهل يتعلق الأمر بالشيء ذاته ؟ وإن كان الجواب سلبا، فما الذي يميز العملية الأولى عن الثانية؟
ربما كان علينا، تمهيدا للجواب عن هاته الأسئلة،أن نتساءل أولا مشروعية الحديث عند النقد بصيغتي التعريف والمفرد. هاتان الصيغتان هما اللتان كان دريدا، فيما قبل، يستعمل بهما لفظا أخر لا يبعد كثيرا عن لفظ النقد في السياق التفكيكي , هو لفظ الميتافيزيقا. ونحن نعلم أنه تدارك الأمر فيما بعد منبها أن علينا بالأولى أن نتحدث عن ميتافيزيقات. ربما كان هذا أيضا شأن النقد . قد يقال وأن المقصود هنا هو النقد من حيث هو استراتيجية ، وليس شكلا بعينه من أشكال النقد ، غير أن هذه الملاحظة لن تبدو مقنعة إن راعينا أن تلك الاستراتيجية تلونت عبر التاريخ. وهو أمر يشير إليه دريرا نفسه في السطر الأخير من النص السابق.

أنفاسمثلت انطلاقة "كتاب في جريدة" في نوفمبر 1997 انطلاقة رائدة في عالم الثقافة والأدب، فقد أراد القائمون على المشروع في حينه أن يبلغوا بهذا العمل الرائد ترسيخ وحدة اللغة والثقافة. وتعرُّف أبناء الوطن الكبير على كبار الكتاب والمفكرين والأدباء في العصر الحديث. ولعلي في ذلك الوقت كنت في بداية مشواري الأدبي؛ لذلك كنت انتظر أول أربعاء من كل شهر كي أبتاع جريدة الأيام المشاركة ضمن هذا المشروع. ولا زلت حتى اللحظة أذكر كم كانت متعتي في الحصول على الكتاب الشهري الذي تنوع خلال تلك الحقبة الطويلة بين الأعمال الإبداعية، والفكرية والتنموية، محتفظاً بذلك الكنز الثمين في مكتبتي كميراث لأولادي وغيرهم ممن أثق باحترامهم للكتاب.
مثَّل "كتاب في جريدة" خطوة كبيرة لي نحو التقدم والإبداع، حيث تعرفت من خلاله على كبار الروائيين والقصاصين العرب مثل بهاء طاهر وزيد مطيع دماج وإيميل حبيبي وغالب هلسا وعبد الرحمن منيف وإبراهيم الكوني وغائب طعمة فرمان، وغيرهم الكثير. كنت أقرأ أعمالهم بشغف، تاركاً كتب الدراسة كي أعيش عوالمهم، وأغوص في بحور أفكارهم. ولقد فتح لي "كتاب في جريدة" كوة من المعرفة نهلتُ منها الكثير الكثير. حيث أنني كنت أستعير جميع أعمال الروائي أو القاص الذي أجدني مشدوداً إليه حال فراغي من روايته أو مجموعته القصصية التي تصدر عن المشروع، فقرأت لبهاء طاهر خالتي صفية والدير وقالت ضحى وشرق النخيل وواحة الغروب والحب في المنفى وغيرها من الروايات التي لا تسعفني الذاكرة بها الآن. وقرأت جميع أعمال الروائي الرائع منيف، بدءاً بخماسية مدن الملح وانتهاءً بأرض السواد.

ممدوح عدوانيعتبر الإنتاج الحديث للشعر العربي المعاصر، والمتمثل في شعر الرواد (شعر الخمسينيات): السياب – البياتي- نازك الملائكة... هو الانطلاقة التجريبية الأولى التي تأكدت معها – فيما بعد- المبادئ القاعدية لتحويل الشكل الشعري للقصيدة وبنيتها الإيقاعية والذي سيبلغ مداه وأبعاده العميقة في شعر الستينيات الذي استوعب مجموعة من العلائق المنطقية التي أصبحت القصيدة تتدرج في إطارها، بفعل التطور الفكري والفني الذي خضعت له القصيدة العربية الحديثة، وذلك تحت تأثير عوامل داخلية وخارجية؛ إذ تلاشت الوظيفة الأفقية للبيت الشعري داخل عملية تكييف حديثة لحركة الحداثة التي مثلها: أدونيس ويوسف الخال- على وجه الخصوص  ومجلة "شعر " ومريدوها – على العموم-، وحلت محلها نظرة جديدة تزاوج بين ما هو أفقي وما هو عمودي على نحو تناغمي منسجم، معتبرة أن العملية الإبداعية على مستوى الشعر: "عقدة عضوية " تتقاطع فيها جميع المظاهر الشكلية والمضمونية، حيث يكمل بعضها البعض.
" ومع تلاشي الوظيفة الأفقية للبيت الشعري في صيغته التقليدية، واعتماد البيت الوحيد البنية؛ سادت إرادة الابتعاد عن الانتظام الهندسي للزخرفة الشعرية الاتباعية، بهدف الحصول على حرية إيقاعية، وكذلك – وهذا هو الأهم – على حرية في البناء الشعري."1
وعلى هذا الأساس، أصبح للشاعر كامل الحرية في إطالة الإيقاع أو اختصاره، تبعا لإرادته ودفقته الشعرية وذوقه وحاجته، متمتعا من ناحية أخرى بحرية اختيار القافية التي يختتم بها أبياته.

محمد يوب - أنفاسالرمز من التقنيات التي يكثر استخدامها في الشعر المغربي المعاصر،وهو وسيلة يعتمدها الشاعر للإيحاء بدل المباشرة و التصريح،فينقل القارئ من المستوى المباشر للقصيدة إلى المعاني و الدلالات التي تكمن وراء الكلمات،كما يقوم باستكمال ما تعجز الكلمات عن تبيانه.
يقول أدونيس( الرمز هو ما يتبح لنا أن نتأمل شيئا آخر وراء النص،فالرمز هو قبل كل شئ معنى خفيا وإيحاء،إنه اللغة التي تبدأ حين تنتهي لغة القصيدة،أو هو القصيدة التي تتكون في وعيك بعد قراءة القصيدة)
ويرى كارل يونغ أن الرمز(أحسن طريقة ممكنة للتعبير عن شئ لايوجد له معادل فكري آخر،من الحق أن مضمونه المنطقي أو العقلي يستطاع إدراكه وفهمه لكن مضمونه اللامنطقي لا يمكن تفسيره تماما،وإنما يلتقطه الحدس)
وهذا المدخل يساعدنا على فهم المستويات الدلالية في القصيدة ،المستوى الظاهري وهو المستوى المباشر،و الثاني باطني ينمو نموا طبيعيا من المعنى الأول.وعملية نمو مستوى الرمز ليس عملية إنابة عن المستوى الأول فالمستوى الأول ضروري وأنه أحسن طريقة للتعبير،وهو الذي يلائم منطق العقل ويوافقه.
و الرمز لا ينهض على محاكاة الواقع،وإنما ينطلق منه ويتجاوزه لإنشاء علاقات جديدة مرتبطة بعالم الشاعر،وفي هذه المرحلة يصبح الشعر أكثر صفاء وتجريدا،لأنه يقدم صورا حسية توحي بما هو معنوي.وهو بذلك عندما ينطلق من الواقع يرتبط بالذات فتنهار المعالم المادية وتنهض على أنقاضها علاقات جديدة مرتبطة بالرؤية الذاتية للشاعر.

أدب الالتزام إن من عجائب الأدب أنه عالم مضطرب كموج البحر ليس له حدود ثابتة، ينطلق بنا - من خلال فرسانه ومدارسه ونقاده وكتّابه وعشاقه ومنظريه - من نظرية إلى أخرى ومن مذهب حتى آخر، فتقوم دوامات من الجدل والنقد حوله تتسع وتنداح بأفكار ورؤى ترفع المنجز النصي إلى أعلى علّين أو تخفضه إلى أسفل سافلين،إنه بحق قفّاز لكل الأصابع.فلماذا نخندقه في قفازات صغيرة لا تتسع له؟
أقول بنبرة تحشرجها الدهشة: أي بئر عميق القرار يريد أن يئدنا فيها قِدِّيسو أدب الالتزام وفرسانه بهذا الأدب؟ مِن" الشكلانية " التي ترى أن دور الأدب هو العناية أولا بالبناء المبتكر وطرائق توليد النص والأسلوب والأشكال السردية، وباختصار التركيز على التقنية بكافة وسائلها، ومن الفلسفية العدمية التي ترى أن تغيير الواقع والعالم أمر مستحيل، وأن الحقيقة الوحيدة الباقية هي ذات الكاتب الذي تسوقه نرجسيته إلي أن يصف بأدق التفاصيل أدنى انفعالاته وأتفه تجاربه الجنسية وذكرياته الأشد سطحية؟؟ إن أول ما تستلزمه الكتابة هو حرية الإبداع حتى يشتغل المبدع في مساحات وارفة يتحرك فيها كيف يشاء ويذرعها جيئة وذهابا كيفما شاء، ويحاور فيها نصه بلغة يختارها بمعجمه ومضمون من وحي خياله بعيدا عن  إملاء نمطي ونسق تكراري يجتر وجودية سارتر أو خبز ماركس أوشكلانية الروس، ويا ليت شعري ما بال الخطاب الإبداعي وكأنه بدون هذه الأنساق لا إبداع له ولا أدب! فإذا التزمنا هذا الالتزام- حسب شروطه وملفوظه- فإلى متى نظل ملتزمين بمعطى معين لا نريم عنه ؟ وإذا التزمنا به فما هي آفاق هذا الالتزام ؟ وإلى أي حد نظل مستمرين في هذا الالتزام والعالم من حولنا يتدفق بمعطيات جديدة ووقائع تعرف قطيعة متجددة بسابقتها؟

السنما المغربيةهل أفادت السينما المغربية من السينما العربية الرائدة والسينما الأمريكية والغربية لتقدم لنا سينما مغربية حقيقية لا ترهات وأفلاما ممسوخة؟ وهل استطاعت السينما المغربية أن تستثمر كل الأدب المغربي المكتوب أو بعضه لتنتج أفلاما تستحق المتابعة والإعجاب؟ ومتى تتراجع هذه السينما عن غيها وتجاوزها لكل الأعراف والقيم المغربية وتبتعد ما أمكن عن مناطق الخطر التي تؤدي بالتماسك المجتمعي إلى الهاوية؟ .
هذه أسئلة وأحرى ممكنة، تتبادر إلى الذهن كلما صادفت فيلما (مغربيا) على شاشات القطب العمومي المتجمد، والذي يصعب على المرء أن يغير المحطة حتى ينهيه، ليس لأنه من الخوارق في عالم السينما والتمثيل ، وإنما لأنه عجيبة من عجائب السينما وغريبة من غرائب فن التمثيل سواء من حيث السيناريو غير المتجانس أو من حيث ممثلين لا يجمعهم إلا المشاركة في عمل واحد، أما طريقة التمثيل والأداء فإنها تدعو إلى الشفقة أكثر مما تدعو إلى السخرية والضحك على أوضاعهم داخل الفيلم. وأما المخرج فحدث ولا حرج، لأنه يجهل ما يقدم إلى المشاهد والمتلقي، ولا يدري أنه يمارس الغباء في فيلمه وأنه يكرس الرذيلة والخيانة الزوجية والعنف المادي والمعنوي والانحلال الخلقي والتربوي،.... وهلم جرا .

محمود درويشهنا بعد ألف عام من الفداء، حيث الشيخ المزمن والأوراد البكماء، يطيب لي صحبي أن أنيخ ناقتي على ضفة التحنان، أنا الوحيد كشجر الطلح الباسق سهوا في العراء ، أرتل أمام نجمة الصبح خيباتي. وهناك حيث هناك ، يصنع الكنعاني أحلام روحه الصارخة يوما ما في الصيف الحاد أمام غابات الزيتون والسنديان ، يرسم العناوين الكبرى والصغرى لوطن يلتقطه من مزق الخيانة.هو الصوت وأنا الصدى.مثخنا بالتاريخ والجغرافيا ووهج الأنحاء العطشى، جاءنا، هو المحارب ضد تعب الجراح، وضد رقصة الشظايا.هو هو ولو تدلى من الشرق خطوه.ولد محمودا وعاش مرا ومات درويشاشاعر ينزف وطنا، ويقيم بين النار والماءالحديث عنه كالحديث عمن نحب، هل َّ بأوراق الزيتون، هل َّ كالنجدة، جاءنا والزنبقات السود في قلبه كاللهب، كانت فلسطين وقتها جرحا فاغرا فاه، مشمولة بالأسى والفقدان حد الحافة.