
صحا أحمد المجاطي على مصرع الكبرياء في وطن غارق في قرارة الأمواج، وطن ينتظر الآتي على صهوة الغيم والضيم، إذ لم يكن يرى في الوطن الذي آواه إلا جواسيس يحرسون جفون المواطنين وشفاههم، ويطوقونهم بالخوف والحزن ومكابدة الأسى الذي غلف أيامهم ولياليهم، ولذلك آلى على نفسه أن "يرتب الحروف المصلوبة على سرايا القصر ليؤانس بؤسها في المتاه"، "وينسج من سمته ومن نعته خط المداد" الذي هشم به سلاسل الصمت، "وأذاب به ينابيع فجر الأسى في سطوة الدهر اللعينة"، لتتحول مياها رقراقة تروي البساتين والبراري.
إن الحديث عن أحمد المجاطي، هو حديث عن العاشق للنزوة الأميرة، والساكن في قرارة الكأس، والراقص في مملكة العرايا، "والرافض أن يغسله الفجر لتشر به الغمامة".
إنه حديث عن الذي صحا على مذبح النهر، وتفتق على غصن قافية، وتشرب من حنينه للردى واعاد الصبيب لمجرى الكلمة لتكتسي سندسا من خضرة. إنه حديث عن الذي حمل الحقد الأكبر على الطاغية الذي يسرق خبز الجائعين والذي آثر النقع أعواما حتى انفلتت من أصابعه الثواني.
إنه حديث عن الذي أسلم للخلد يقينه وعانق السماء وذوب نهر الدم في قطرة ماء.
هكذا يتبدى لك المجاطي وأنت تتلمس ملامحه عبر قراءة متأنية لديوانه اليتيم: "الفروسية" هذه القراءة التي اقترح لها أربع مداخل هي على التوالي:
الكلمة الشعرية وجلالها.