
لقد أثارت الحداثة كاتجاه - أو اتجـاهات- فكـري فلـسفي ثقـافي– اجتماعـي- سياسي- اقتصادي تباينات في المواقف، واختلافات في الآراء، وتضاربات في الرؤى ولازالت، وذلك نتيجة وضعها الذي يكاد يكون إشكاليا – أو هو كذلك بالفعل- سواء في الآداب الغربية، أو في آدابنا العربية.
ويبدو أن هذا التباين في مواقف وآراء نقادنا العرب حول تيار الحداثة في الأدب العربي له ما يماثله في النقد الغربي. فإذا أردنا تحديد ما يسميه (برادبوري) بجغرافية الحداثة ومدنها(1) نلاحظ أنها مترامية الأطراف وتمتد من روسيا إلى الولايات المتحدة وأمريكا اللاتينية وغيرها من بقاع العالم. وتضم مدنا عرفت بكونها مراكز حداثة: كباريس ولندن وبرلين وموسكو وميلانو ونيويورك..، شاركت كلها مشاركة فعالة في مسار الحداثة، واسبغت عليها ملامح مستمدة من ظروفها وخلفياتها، أي أن الحداثة ليست أحادية اللغة وليست أحادية الأصل، وليست مرتبطة بمرحلة زمنية بعينها، بل هي متعددة اللغات ومتنوعة الأصول ونتاج مراحل زمنية متفاوتة ومتداخلة.
ومن هنا تبرز وضعيتها الإشكالية وتركيبها المعقد واستيعابها لملامح وعناصر غير متآلفة. ولهذا فليس من الغريب أن يختلف النقاد في استعمال هذا المصطلح. إذ نجد بينهم من:
يتحدث عن حداثات، كما فعل براد بوري في دراسته الحديثة.
يشك في قيمة المصطلح كأداة نظرية نقدية، كرينيه ويليك الذي قال عنه: "انه مصطلح قديم فارغ نوعا ما".
يذهب إلى التأكيد على أن "معضلة الحداثة تتجسد في أن عليها أن تكافح دائما، ولكن بدون أن تنتصر تماما، بل عليها أن تكافح من أجل ألا تنتصر" كما ذهب إلى ذلك " ارفينج هاو"(2)